بيار أبي صعب
تجربة محمّد بنيس (فاس، 1948) عنوان مرحلة تحوّل أساسيّة في تاريخ الشعر المغربي والعربي الجديد. منذ مجلّة «الثقافة الجديدة» في السبعينيات، اقترن الشعر عنده بـ«المعرفة الشعريّة». وجاء رهانه مزدوجاً منذ البداية: كتابة قصيدة عربيّة جديدة والبحث في أبعادها النظريّة المختلفة.
وها هو صاحب «ورقة البهاء» (1988)، يطل عليناً «قارئاً» لواحد من أصعب الشعراء الفرنسيين، وأكثرهم انغلاقاً وغموضاً. ترجمة ستيفان مالارميه (1842ـــــ 1898) هي بالضرورة رحلة في عوالم معرفيّة وجماليّة وفكريّة أخذت الشعر، في أواخر القرن التاسع عشر، إلى مدارات جديدة وأدخلته عصر الحداثة. وقد اختار بنيس أن يتواجه مع قصيدة أساسيّة لمالارميه تختصر ربّما كل مشروعه الجمالي، القائم على الإيحاء واللاواقعيّة، وعلى مزج العناصر الفنية في عالم مقفل منه ينبثق الشعر في لحظة «الأعجوبة»: «رميةُ نرْدٍ/ أبداً/ لن تُبطِلَ الزّهْر».
الطبعة التي صدرت في المغرب عن «دار توبقال»، وفي باريس عن «دار إيبسيلون»، مشروع متكامل انطلاقاً من القصيدة. كتاب من القطع الكبير مع 3 رسوم لأوديلون رودون، حسب الرغبة التي مات قبل أن يحققها ذلك البرناسي المعجب بإدغار ألان بو، ترافقها ملاحظات مالارميه التي كان قد أرسل بها إلى مجلّة «كوسموبوليس» (1897) لدى النشر الأول، ونص لمحمد بنيس يكشف لنا كواليس الترجمة، متوقفاً عند الملامح الشرقيّة ـــــ العربيّة في شعر مالارميه، وقصّة نشر القصيدة منذ المحاولة المجهضة لدى امبرواز فولار (إيزابيلا كيكايّيني)، وأخيراً نص بعنوان تهويم للشاعر الفرنسي المعروف برنار نويل، يضع القصيدة في سياقها من تاريخ التحديث الشعري في فرنسا. إنّها محاولة عربيّة لانتشال مالارميه من العالم المجرّد الذي اعتقل فيه طويلاً! شكراً بنّيس.