حسين بن حمزة
في مجموعتها القصصية الأولى «سماء واحدة لكل المدن» (دار أزمنة ــــ عمّان)، تراهن الكاتبة السورية، المقيمة في ألمانيا، ليندا حسين على الجملة التي تكتب بها قصصها. الجملة وطريقة كتابتها أولاً، وبعد ذلك تأتي كل التفاصيل الأخرى المتعلقة بالحدث والشخصيات والزمن والإيقاع... ثمة رغبة في امتلاك لغة ونبرة، والإصغاء إلى مزاج شخصي أكثر من السعي وراء بنية قصصية ووقائع مقنعة أو متوقعة ومنسجمة مع ما يُنتظر من مطلق قصة.
تقرأ نصوص الكتاب بوصفها قصصاً بالطبع، وهي كذلك فعلاً، لكن في كل واحدة منها طاقة ما تسري في الكلمة والعبارة. الاهتمام بطريقة الكتابة يمنحها بطولة شبه مطلقة في أغلبية القصص. وهذا ما يبرر طغيان الكتابة مهارةً وحساسيةً أسلوبية على مواد الكتابة نفسها، ويحصر تحقق القصص وحدوثها داخل لغتها. إذ غالباً ما تكون الأحداث قليلة في أعمال كهذه، وكثيراً ما تُستعاد بدلاً من أن تحدث. أما ما يحدث في الحاضر، فهو أشبه بتدوين يوميات ومشاهدات مرئية، من وجهة نظر تعيد ترتيب الأحداث بطريقة مختلفة عن طريقة حدوثها في الواقع. هناك عين مراقبة تُخضع الحياة لكتابة ثانية. أكثر القصص مروية بضمير المتكلم. مع اختيار ضمير المتكلم، يصعب تفادي الاستعارات وتسرب النفوذ الشعري إلى اللغة، وهذا يعني أن يرتفع المنسوب الأسلوبي ويتحالف مع السعي إلى جملة ذات مذاق شخصي وجواني.
الترتيب الذي وضعته ليندا حسين لقصصها يخلق بينها صلات واضحة. هناك سيرة ما موزعة على أكثر من قصة. يبدأ ذلك منذ القصة الأولى: البطلة قادمة من اللاذقية لتتابع دراستها الجامعية في دمشق. ثم ستصنع دمشق سينوغرافيا حياتها. البطلة تنتقل بخفة إلى قصة ثانية وثالثة... وتنقل معها إحساسها بالعاصمة. ثمة قصة حب تُستعاد في أكثر من قصة. وتبدو سبباً لحيرة البطلة في علاقتها الملتبسة بكل شيء. يُعذبها غياب الرجل، بينما تقنع نفسها بأن «الكتابة هي الرجل الوحيد الذي سأحبه إلى الأبد». الرجل غائب والعلاقة تحدث مع تفاصيل حميمة حدثت وانتهت. براعة حسين تكمن في اعتمادها على التفاصيل وروايتها بطريقة تكفل نقل عدواها إلى القارئ. وهذا يحدث في قصص الحب المفقود وفي القصص الأخرى.
رغم الحساسية اللغوية التي توحي بتشابه نصوص الكتاب، إلا أن القارئ ينتبه إلى أنّ الكاتبة تميل للتجريب أحياناً. إضافة إلى أنّ هناك قصصاً لا تكون البطولة فيها ممنوحة للبطلة نفسها. وتبدو فيها رغبة في إنجاز قصص تنتمي إلى السجل التقليدي للقصة القصيرة كجنس أدبي. أما التكامل بين الإصغاء لمتطلبات الكتابة وشروط القصة، فهو مؤجل إلى القصة الأخيرة وعنوانها «أوسع من نافذتي»، حيث تمزج فيها ليندا حسين بشكل مؤثر بين تقنيات القص وحساسية النبرة الشخصية.