فاطمة داوود
في تشكيلات خريف وشتاء 2008، تتقاطع الكلاسيكية مع الغرابة: عبد محفوظ أعاد من روما إحياء موضة نيويورك الثلاثينيات. وأمل سري الدين تمرّدت في باريس على دور الأزياء الراقية...

في مجموعته الخاصة بخريف وشتاء 2008 للأزياء الراقية، سافر المصمم اللبناني عبد محفوظ بعيداً، حتى وصل إلى نيويورك. هناك استلهم من عبق الثلاثينيات أشكالاً وتفاصيل دقيقة لا تليق سوى بالمرأة الجريئة والأنيقة في آن. والعودة إلى تلك الحقبة تعكس رغبةً في نفض الغبار عن الأزياء القديمة، والاعتراف بأهمية الماضي في ابتكار موضة المرحلة الراهنة.
لماذا استوحى محفوظ تشكيلته من عصر الـ Art deco وموسيقى الجاز؟ «ترتكز كلّ مجموعة على فكرة خيالية محدّدة تمثّل المفهوم العام للعمل، فننسج حولها التصاميم، ونضيف نفحات خاصة. وقد حاولتُ استحضار مدينة نيويورك وصخب موسيقى الجاز فيها، ليس في الفساتين فحسب، بل عبر الخلفية المرافقة للعرض الذي أقيم في روما، ضمن فعاليات أسبوع الموضة العالمي».
المصمم اللبناني لا يجد صعوبةً في تطويع اتجاهات الموضة القديمة لتناسب المرأة العصرية. حسب رأيه، المهمة سهلة جداً، لا تتطلب سوى دقّة اختيارات الأقمشة الفاخرة والألوان الساحرة: «لا يسع المصمم اليوم إلا استلهام الموضة من الحقبات التاريخية الماضية، وذلك لصعوبة ابتكار أي جديد في هذا المجال». لكن لماذا ضمت المجموعة الشتوية ألواناً صيفية زاهية؟ «نأخذ من مروحة الألوان التدرّجات الراقية، فنتجنّب الأحمر الفاتح لمصلحة الغامق، وهذا المبدأ يسري على كلّ الألوان. ويقع الاختيار على اللون المناسب بعد مناقشة طويلة مع فريق العمل... مهنة الخياطة الراقية ليست مجرّد تصميم على الورق نُفّذ بالأقشمة، بل ثقافة وأسلوب حياة».
ضمّت التشكيلة فساتين طويلة منسدلة حتى أخمص القدمين، فاختالت العارضات بفساتين من «الشيفون» والحرير المتطاير. وبرزت تصاميم مصنوعة من الأقمشة الفاخرة كالحرير و«التفتا» و«الدانتيل» المطرّز بأحجار الكريستال، إضافة إلى الأقمشة المقصّبة باللونين الذهبي والفضي. وقد امتزجت مع ألوان الرمال الدافئة المشتقّة من الأزرق والذهبي الغامق والفضي الرملي، إلى جانب الأحمر والأخضر، فيما تنوّعت الياقات عند أعلى الصدر على شكل H وY وV، مع غلبة واضحة للقصّات الضيّقة عند الخصر، وانسدلت الأقمشة على الأرداف أو التصقت بالجسم عند الحوض، لمزيد من الإثارة وإبراز التفاصيل الدقيقة للجسد. كذلك اعتلى الفرو الفاخر كتفي العارضة، ليمنح المرأة شعوراً بالدفء أوقات البرد القارس.
برزت أيضاً فساتين ذات أكمام طويلة حدّ الرسغ، وأخرى منتفخة عند الذراعين، فيما كشف بعضها الآخر عن مفاتن العارضات برقيّ لافت. وسادت على التشكيلة القصّات المستقيمة، وهي ميزة لا يستغني عنها المصمم اللبناني في معظم عروضه. محفوظ الذي انطلق منذ 25 عاماً في عالم الخياطة، بدأ عروضه العالمية في روما عام 2002. أبدى إصراراً على تحدي الواقع، على رغم ارتباط بعض عروضه بأحداث مأساوية في لبنان. ومع ذلك، لا ينسى أول عرض لمجموعة «الحالمة» الخاصّة بالعرائس في بيروت، قبل يومين فقط من حادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كذلك بالنسبة إلى عرض مجموعة خريف ــــــ شتاء 2007 التي أقيمت في روما بعد يومين من اندلاع حرب تموز، واضطراره إلى المكوث في ميلانو فترة طويلة.
اليوم يصرّ على إحياء سلسلة «الحالمة» التي عرض مجموعتها السادسة في روما أخيراً، رغبةً في بثّ الفرح في قلوب الناس. ويتحدّث بإسهاب عن تميّزه باعتماد الأقمشة الفاخرة، وخصوصاً الأوروبية المستوردة من لندن وفرنسا وإيطاليا، مستبعداً المواد المصنعة في الشرق الأدنى، لكنه يشير الى مسألة مهمّة بدأت تقضّ مضاجع المصممين المحترفين، وهي ارتفاع سعر اليورو وتأثيره المباشر في كلفة الفساتين.
وعلى رغم التحديات التي تواجهها مهنة الخياطة الراقية، يشهد محترف عبد محفوظ توسّعاً حتى بات يضمّ أربعة أقسام: الأول مخصّص لتصاميم الـ«هوت كوتور»، والثاني للمجموعات الخاصة Private Collection، فيما يهتم الثالث بسلسلة «الحالمة» الخاصّة بالعرائس، وأخيراً قسم الملابس الجاهزة المتوقّع إطلاقه خلال العامين المقبلين.
ويعتبر محفوظ أن أهم ما حققه يكمن في انتشار تصاميمه في محال لندن وفرنسا وروسيا وسويسرا ونيويورك، فيما تغيب عن الخليج لأنه تريّث في طرح المجموعة خليجياً «كي لا يتضارب ذلك مع فساتين الخياطة الراقية. والمعروف أن 95 في المئة من سوق الـ«هوت كوتور» موجّه إلى السيدات الخليجيات، فيما يحتل لبنان والعالم 5 في المئة فقط من الإنتاج العام».




أمل سري الدين تحيا المرأة الإلكترونية!

لموسميْ خريف وشتاء 2008، اختارت المصممة الشابة أمل سري الدين تصاميم مميزة، محاولة تكريس اسمها في عالم الأزياء. وقد تجلّى ذلك في التشكيلة الجديدة التي حاولت فيها مجاراة آخر صيحات الموضة العالمية.
والعرض الذي قدّم في باريس، بحضور اقتصر على أهل الصحافة العالمية، كان أشبه بجلسة نسائية صباحية: لا خشبة عرض أو جمهور، إنما عارضات فاتنات يتبخترن بحرية في أحد القصور الفرنسية الفاخرة.
هذه الشابة التي واكبت منذ نعومة أظافرها، نشاط والدتها المصممة نوال سري الدين بأدق المحطات والتفاصيل، استطاعت أن تشذّ عن القاعدة التقليدية، لتذهب في رحلة بعيدة، مزجت بين سحــــــــر الشرق وتكنولوجيا الغرب. هكذا تـــــــألقت عارضات فارهـــــات الطول بأثواب طويلة غلبت عليها الحيوية والحماسة. وبرزت فساتين بقصّات مستقيمة، وأخرى انحسرت عند الخصر لتنسدل الى الأسفل، مبرزةً تضاريس الجسم الأنثوي المثير.
وفيما اتخذت بعض التصاميم شكل الطاووس، جسّد القماش في بعضها الآخر شكل الثنيات والمنحنيات العرضية، مع ظهور صارخ للكشكش الناعم والمطبّع بالورود، عدا عن تصاميم جُمع فيها القماش الى الأمام أو على جنب، مع كشف جهة من الكتف دون الأخرى، وقد ظهرن العارضات أشبه بحوريات أو أميرات العصور القديمة، فبدت إحداهن بثوب ذهبي لمّاع كأنها محاربة إغريقية.
كذلك تألق فستان باللون النيلي مع قصّات مثيرة على الجانب كشفت عن جمال ودقّة الخصر، وأُرفق بخطوط غير متساوية من «الترتر» الفضي. أما القصّات فكشفت عن الظهر والجانبين وأعلى الصدر وفق منحنيات غير مستقيمة.
مع سيادة مفهوم موحدّ للمجموعة، وهو استشراف مستقبل الموضة القريب، لم يشذّ أي فستان عن القاعدة العامة، إذ ظهر كلّ على حدة بتوليفة لمّاعة مُبهرة، أسهمت أكسسوارات «الباييت» أو «الترتر» بمنحها طابع القرن الـ21، وعُزّزت بالأشكال الدائرية اللمّاعة التي زنّرت أسفل التصاميم.
أما العروس فكان لها ثلاثة فساتين حملت جميعها ملامح التميّز بفضل التفاصيل الدقيقة والزخرفات، وطُعّمت بحبات «شوراوفسكي» الفاخرة، والمطبّعة على أقمشة «الأورغنزا» الراقي.
أمل سري الدين وصفت مجموعتها بالعصرية والمواكبة للموضة العالمية بامتياز، مع إدراكها التامّ أن الاتجاهات تنحو إلى استخدام الأقمشة الغريبة نوعاً ما، وإدراج أكسسوارات غير مألوفة في عالم الأزياء كالبلاستيك والخشب، وهو ما يدعو الى التفلّت تماماً من التقاليد الصارمة التي سادت عروض الأزياء الباريسية لعقود خلت. وهي ترى أنّ المصمم «يملك اليوم حرية كاملة لطرح أفكاره كيفما يشاء، من دون أن يشّذ عن القواعد العامّة». ولتطبيق رؤياها، استخدمت سري الدين أجود أنواع الأقمشة كـ«الموسلين» و«الدانتيل» و«الساتان»، بعدما طُعّمت بالأكسسوارات لتعكس المفهوم الجامع بين الكلاسيكية والحداثة العصرية.
وإذا كان يُتوقّع أن يتجه معظم المصممين العالميين إلى الألوان الصاخبة (أو ما يعرف بالألوان الكهربائية) في المواسم المقبلة، فإن ظهور ألوان النيلي الفاقع والبنفسجي والأخضر ـــــ الباستيل في مجموعة سري الدين يعدّ استباقاً للأفكار الجديدة في عالم الموضة. وتسجّل نقطة إيجابية لمصلحتها، وهي إضفاء الصبغة الشتوية من خلال اختيار تدرّجات تناسب الفصل البارد. لكن هل تحبّ سري الدين هذه الألوان، أم تُراها تجاري الموضة فحسب؟ «أحبّ جميع الألوان، لكن على طريقتي الخاصّة».
سري الدين تعدّ لإطلاق مجموعة موسمي ربيع وصيف 2008، مع تصاميم تعكس انتعاش الربيع واسمرار الصيف، لكنها تتحفّظ على ذكر المفهوم العام للمجموعة، «فما زال الوقت مبكراً لتحديد الخطوط النهائية».