بشير صفير
جان شرهال تحمل الأغنية الشعبيّة الفرنسية إلى بيروت

بيروت تغنّي وترقص مساء الأحد على وقع فنانة شابة تمثّل المدرسة الجديدة في الأغنية الفرنسيّة... وتجمع بين الكاباريه والنّفَس الواقعي والعلاقة المباشرة مع المستمع. كيف سيستقبل الجمهور اللبناني ضيفة ميشال الفتريادس و «كاباريه العالم»؟
الحدث بالتأكيد بشرى سارّة لمَن «أدمن» الحفلات الناجحة التي نظمها الـCabaret Du Monde بالاشتراك مع ميشال الفتريادس في نادي «ميوزكهول» البيروتي خلال السنوات الأخيرة. المغنّية الفرنسية الشابة جان شرهال تحلّ غداً ضيفةً على بيروت! إنّه لقاء مع الحيوية والتهكّم والسخرية والفكاهة السوداء، إذا نظرنا إليه من جهة نصوص أغنيات شرهال وطريقة تفاعلها مع الكلمة، وتواصلها الحميم مع الجمهور خلال حفلاتها. وهو لقاء مع اللحن الجميل والجملة الموسيقية السهلة التلقّف التي تمثّل خير تمثيل الأغنية الشعبيّة الفرنسية. وأخيراً هو لقاء مع العزف على البيانو، ولو أنّه سيكون بديهياً وذا انسياب متوقّع ومرافقات محدودة التنوع. هذا على الأقلّ ما يشكّل المادة الموسيقية لباكورة المغنية الخفيفة الظل، وهي عبارة عن تسجيل حي صدر بعد عام على الحفلة (2002 ــــ Tôt Ou Tard).
أما برنامج حفلة شرهال في الـ«ميوزكهول»، فسيشمل غالباً أغنيات من ألبومها الأخير L’eau /الماء (2006ـ Tôt Ou Tard). لكن التسجيل الحيّ السابق يعطينا فكرة عن مدى تفاعل المغنّية مع الجمهور. هذا لجهة الأداء. أمّا لجهة التركيبة الموسيقية، فسيرافق شرهال (غناء وبيانو)، ثلاثة موسيقيين هم: آنيك أغوتورد (باص كهربائي)، اريك لورير (غيتار) وأميليانو اوري (درامز).
جان شرهال التي ولدت في مدينة نانت الفرنسية عام 1978، درست الفلسفة قبل أن تتفرغ للتأليف الموسيقي وكتابة النصوص والغناء. هذه الفرنسية من أصل كندي، تنتمي فنياً الى الموجة المتنامية في الساحة الفرنسية، أي الأغنية الشبابية المعاصرة وغير التجارية. هكذا، يمكن إدراج تجربتها في الخانة التي تضم أوليفيا رويز وكاميّ وجولييت وجان باليبار... وجميعهنّ زرن بيروت باستثناء جولييت.
بحيويّتها وموهبتها الموسيقية ومراقبتها الدقيقة لاهتمامات المجتمع الفرنسي، تنعش شرهال الأغنية الفرنسية الحديثة، بعيداً عن النصوص الشعرية الصلبة، وأغنيات الغرام السطحية، وسخافات القوافي المستهلكة. تخترع المغنّية الشابة أجواء عائلية، وتصوّر مشاكل الناس واهتماماتهم، وتراقب المجتمع الاستهلاكي حولها، فتعيد إنتاجه في قالب غنائي استناداً الى العبارات الثابتة كالإرشادات والتحذيرات التي تطالع المواطن العادي في الأمكنة العامة. كما تتناول مواضيع إشكالية في صلب المجتمع الفرنسي أو متعلّقة به: كالحجاب والختان وغيرهما من المواضيع المستوحاة في جزئها الأكبر من تفاصيل الحياة اليومية والمشاكل الاجتماعية والعلاقات الإنسانية.
أمّا موسيقياً، فهناك ميزة في ألحان شرهال تكمن في الجملة القصيرة والجميلة وتوالي هذه الجمل صعوداً أو نزولاً، وذلك تماشياً مع مقتضيات الكلمة، لتشكّل بذلك الموسيقى التصويرية التي تزيد صورة النص وضوحاً. أمّا نقطة ضعف شرهال فتكمن في علاقتها بآلة البيانو. إذ يبدو لمن يستمع إليها وهي تعزف أنّ تمكّنها نظرياً من الآلة مكتمل إلى حدّ كبير، لكنّه هشّ تقنياً نسبة إلى عازف بيانو مكتمل. ولا يمكننا أن نعتبر أن جملها المرافقة للحن، ذات أبعاد عميقة ومعقدة. فاليد اليسرى تكتفي بالمرافقة الإيقاعية الثنائية، لمواكبة انفلاتات اليد اليمنى التي تسقط في مطبّات (ولو قليلة جداً)، ربما بسبب الحماسة على المسرح.
لكنّ العنصر الأقوى في مادة شرهال الغنيّة يكمن في الأداء الغنائي. إذ إنّ صوتها يمتلك شخصيةً خاصةً، ونبرةً جميلةً حيةً، ولو أنّ طاقته متوسطة. يضاف الى ذلك الميزة الأهم والأكثر إمتاعاً، وهي توظيف معنى النص في أجزائه الصغيرة (جملة أو حتى كلمة) لصالح التعبير وذلك على حساب اللحن. وهذا أمرٌ حاضر في الحفلات الحيّة أكثر منه في التسجيلات داخل الاستوديو. أمّا من ناحية علاقتها بالجمهور، فشرهال تتمتع بشخصية ذكية، سريعة البديهة، تطلق النكات في محلها، وتمازح وتهزأ بلطف شديد، وتحرص على هذا الأمر كجزء لا يتجزأ من العرض. إلى درجة أنّها تمارس هذه اللعبة ليس فقط في الفاصل بين أغنيتين، بل أيضاً خلال الأغنية الواحدة. ومَن يعرف جاك هيجلان الذي يستخدم الأسلوب الفكاهي نفسه في أدائه، لا يستغرب تعاونهما، ولو في أغنية يتيمة، على رغم فارق العمر بين المغني الفرنسي الستيني والمغنية العشرينية.
أصدرت جان شرهال حتى الآن ثلاث أسطوانات، الأولى (2002) غير معنونة وهي تسجيل لإحدى حفلاتها الحية، والثانية بعنوان Douze fois par an (2004)، والثالثة بعنوان L’eau صدرت منذ سنة تقريباً، وهي ستشكّل محور حفلة الغد. لكنّ الجمهور العريض لم يكتشف المغنية الشابة إلا بعد إصدار أسطوانتها الثانية. وتحققت شهرتها الكبيرة عندما فازت عام 2005 بجائزة Victoires de la Musique.
في ألبومها الأول، تختم شرهال الثواني الأخيرة من لقائها مع جمهور فرنسي بتطريبات شرقية، فماذا تحضّر لجمهورها البيروتي الفرنكوفوني؟

التاسعة من مساء غد الأحد، «ميوزكهول» ــــ بيروت، 03،807555