strong>بيسان طي
قريباً يصبح للفنون والثقافة دار في لبنان، وتكون هذه الدار بالطبع في وسط بيروت التجاري الذي تملكه شركة «سوليدير». الدار ستُقام على مساحة 3800 متر مربع شرق ساحة رياض الصلح على أرض تقدمها الدولة اللبنانية، فيما البناء سيُشيّد بتمويل من سلطنة عُمان... لكن أعمال البناء مؤجلة حتى ينتهي اعتصام المعارضة اللبنانية!
«الورشة المؤجلة» هذه لم تمنع وزير الثقافة طارق متري من لقاء مثقفين وفنانين وصحافيين أمس في قاعة رئيسية في السرايا الحكومية، ليستمع إلى مقترحاتهم حول الدار وطرق تشغيلها ومهامها. حضر الوزير وإلى جانبه السفير العُماني محمد بن خليل بن صالح الجزمي، والدكتور جورج زوين رئيس مؤسسة «غايا» للتراث التي لم نسمع بنشاطاتها قبل اليوم.
وبعد نصف ساعة تقريباً من بدء المؤتمر الصحافي، فاجأ رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة الحضور في إطلالة غير متوقّعة، ليؤكّد أن «أصحاب الإرادة يحققون الأحلام» مهما كبرت... وليخصص للحاضرين بعضاً من وقته تأكيداً على اهتمامه بالثقافة. ألم يلفت في بداية كلمته إلى أن «لبنان ليس شوية مطاعم، وشوية سهر»؟ كما أعلن أن هذه الدار ستعيد للبنان دوره الحضاري والثقافي في المنطقة.
هكذا قدم رئيس الحكومة ووزير ثقافته مشروع «دار الثقافة والفنون» والنهضة المؤجلة، ولم تسلم حركة الاعتصام المعارضة في بيروت من سهامهما. وذهب رئيس الحكومة إلى أن هذا الاعتصام يشل ـــــ في ما يشل ـــــ الحياة الثقافية في البلاد، من دون أن يبرر رأيه هذا بأمثلة عملية. ولم يلاحظ دولة الرئيس أنه، على الأقل، شريك في هذا الشلل، ما دامت حكومته قابعة بالقوّة ـــــ بدعم من محور الخير ـــــ رغماً عن إرادة جزء لا بأس به من الشعب اللبناني!
وقال المدعوون إلى اللقاء كلاماً كثيراً عن مشاكل الحياة الثقافية في لبنان وغياب الاهتمام الرسمي بها، وعن ميزانيات وزارة الثقافة المتواضعة، فهمس الرئيس السنيورة بأنه لم يكن يوماً وزيراً للثقافة، ولم يذكر بالطبع أنه كان وزير المالية في معظم الحكومات التي شُكلت بعد اتفاق الطائف. ثم قال إن «المسدس كان مسدداً إلى رؤوسنا» خلال السنوات الثلاثين الماضية، مبرراً تقاعس الحكومات المتتالية عن دعم الثقافة والإبداع ووضع أساسات متينة لحياة ثقافية منتجة.
وحين سـألنا الرئيس السنيورة عن تجنبه الرد على الملاحظات على أداء الحكومات التي شارك فيها، وما هي الخطط التي ستُرافق إنشاء الدار لدعم القطاع الثقافي في لبنان، ولماذا تم اختيار وسط بيروت مكاناً للدار؟ اكتفى بالقول إن وسط بيروت هو مكان لتلاقي كل اللبنانيين، ودعا إلى عدم تضييع الفرصة والتركيز على البحث في شؤون الدار، ليتم لاحقاً مناقشة القضايا الأخرى «المهمة أيضاً»! ثم لفت إلى أن السلطان قابوس وافق على تقديم دعم لإنشاء الدار بسرعة، وكذلك كان تجاوب أمير قطر مع طلب دعم المكتبة الوطنية سريعاً جداً. وأعلن رئيس الحكومة عن مشروع ثقافي آخر يتمثل بإقامة متحف للفن المعاصر، وأضاف: «تحدثنا عنه مع أكثر من مسؤول عربي».
اللقاء الذي أراده الوزير متري فرصة للبحث في رؤية لدور هذه المؤسسة الطموحة، تحوّل مرة جديدة إلى مساحة لطرح بعض الهموم الثقافية التي لن ينجح أي مشروع قبل أن حلها. بعضهم سأل عن السياسة الثقافية، آخرون سألوا عن هيكلية هذه الدار؟ من سيديرها؟ ممّ ستتألف؟ ما هي المعايير التي سيُستَنَد إليها لدعم أعمال الفنانين أو عرضها؟
وكان الوزير متري قد حرص في بداية اللقاء على القول بأن مؤسسة «غايا» ستقدم استشارات لبناء «دار الثقافة والفنون»، وستشرف على مسابقة دولية لاختيار أفضل مشروع معماري للمبنى، على أن تعهد أعمال البناء إلى شركة «خطيب وعلمي»، وستُستشار مؤسسات متخصصة في الإدارة الثقافيّة كمكتب شريف الخزندار في باريس. وأكد متري أن الحكومة ملتزمة تقديم الدعم المادي لتشغيل الدار، لكنه لم يُحدد أية ميزانية. وقال إنه يريد أن تكون للدار وظيفة تنموية ثقافية، وأن تكون مكاناً لدعم المبدعين، ويلتقي فيها كل اللبنانيين، وألاّ تقتصر الحركة فيها على النشاطات المبرمجة... بل تتسع لكل التجارب والورش والتدريبات. وأعلن أن المبنى سيحمل اسم «دار الثقافة والفنون ـــ المركز اللبناني العُماني».
وقال زوين رئيس مؤسسة «غايا» للتراث، إن الدراسات ستحاول قدر الإمكان أن تتجاوب مع الاقتراحات التي قُدمت حول ضرورة إقامة مسرح، وصالة للمعارض وقاعة للموسيقى وغير ذلك. ويبدو أنّه اكتشف لتوّه التقنيات المتعددة الوسائط، إذ بشّرنا بأن الهندسة المعمارية الجديدة تسمح بتخصيص قاعة للـ Multimedia. وقال إن سائقه لفته إلى أن «الناس سيهجرون لبنان لأنهم لم يتعلموا الموسيقى في المدرسة، لذلك سيكون هذا هو الدور الأول للدار».
لم يتم التوصل إلى رؤية موحدة حول الدار، قُدمت اقراحات بتشكيل لجان، أو بإرسال اقتراحات مكتوبة إلى الوزارة. واختتم اللقاء بحفلة كوكتيل.