strong>راجانا حمية ــ ليال حداد
«بتحبّ لبنان... حلّ عن سما ربّو»... إلى هنا وصل هادي، أحد المنتسبين إلى موقع «فايس بوك» Facebook في علاقته مع «لبنانه»، بعدما استنفد جميع الحلول للوصول إلى مكانٍ آمنٍ «قد يكون اسمه لبنان». هادي، «الشاب اللبناني العلماني» كما يعرّف عن نفسه، دفعه حبّه لوطنه الصغير إلى الصراخ بالكلمات عبر الشبكة الإلكترونيّة، «علّ أبناء هذا الوطن يصحون من غيبوبتهم الطائفيّة والمذهبية... والمناطقيّة». لكن، لا جواب وافياً حتى الآن، فمجموعة «حلّ عن سما ربّو» لم تستقطب الكثيرين على الـ«فايس بوك»، والسبب على ما يبدو من حركة المجموعات، انهماك «أهل» الموقع من اللبنانيين بمساعدة زعمائهم لاستقطاب المزيد من «الزلم اللي بتشرب دم»، وحشد المعجبين بهم وبأحزابهم وعشائرهم... ليصبح شعار تلك المجموعات «بتحبّ لبنان...حبّ إستاذو... حبّ زعيمو... حبّ البيك».
«الفايس بوك» على الطريقة اللبنانيّة بات يرزح تحت عبء المجموعات الطائفيّة التي وجدت ملاذاً آمناً ومناخاً ملائماً لتفريغ سمومها هناك دون رقيب ولا حسيب، لتُقسّم بذلك الـ«10452 كلم2» إلى 10452 لبنان، يختلف أبناؤه باختلاف انتماءاتهم.
أما الراغبون في الاطلاع على تلك المجموعات فليس عليهم سوى انتقاء أحد المعايير الآتية: «طائفي... مذهبي... حزبي... مناطقي»، فهذا هو الجامع بين المجموعات اللبنانية حالياً على الموقع الذي يضمّ أكبر عدد من «المتحاورين» في العالم. وقد وصلت حدّة الاصطفافات والانقسامات الى درجة تفرض عليك الانتماء الى «هوية» معيّنة للانضمام الى مجموعة ما من «الأصدقاء» و«الرفاق».
في مجموعة «أسود الضاحية» مثلاً يُمنع «منعاً باتّاً» على «الخوارج» الدخول إلى المجموعة، فهي محصورة بأبناء الطائفة الشيعيّة من منطقة الضاحية الجنوبيّة فقط، وما على «الشيعة الآخرين سوى تأسيس مجموعة ضمن المنطقة أو الانتقال إلى الضاحية» مثلما تُظهر الشروط المذكورة بوضوح على الصفحة الإلكترونية. ولم يقتصر الأمر على «أسود الضاحية»، فلكلّ منطقة «أسودها ونمورها وصقورها وفهودها...» ومنها «فهود طرابلس الحمر»، و«صقور المستقبل» و«نمور القوات». ولكلّ شروطه الخاصة للانتساب: فالسنّي مثلاً قد يقبل الشيعي إن «كان من جماعة 14 آذار أو من محبّي الشيخ سعد»، والعكس صحيح بالنسبة للباقين. واللافت في هذه المجموعات أنّ الشباب استبدلوا ألفاظهم وتعابيرهم الحزبية «الدبلوماسية» بأخرى تحوي من البذاءة ما يكفي للنفور منها والشعور بالخجل بعد أن أظهرت الإحصاءات الأخيرة أنّ لبنان يتربّع على عرش المنضمّين الى مواقع «العلاقات الاجتماعية» في العالم العربي (راجع «الأخبار» عدد 1 تشرين الثاني 2007).
ومن بين المجموعات أيضاً، «تكتلات» لأكثر من حزب بهدف التشهير بحزب آخر «عدوّ»، مثل مجموعة «حزب الروك» مثلاً التي أسّسها «الثلاثي» القوّات اللبنانيّة والتقدّمي الاشتراكي والمستقبل، لنشر تعليقاتٍ مضادّة لحزب الله. كذلك عمد البعض أيضاً إلى تأسيس مجموعات «تعبويّة» تجهّز الشباب «لحرب مقبلة»... شعارها «يللا كونوا كتار، تا تحملو البارودة». والحديث عن الحرب يعيد الى الأذهان بعض العبارات والأجواء التي تظهر أنّ أجيالاً بأكملها لم تتعلّم شيئاً من دروس الحروب التي خاضها «وطنهم». يستحيل على اللبناني «الأصيل» اذاً، ألا يُدخل الطائفية في أصغر تفاصيل حياته، حتى في الـ«فايس بوك» الذي كان الهدف الأصلي من إنشائه، كما يعلن مؤسسه، «فتح حوارات بين الأصدقاء وتسهيل التواصل الاجتماعي بين الأفراد». لكنّه عندما بات مفتوحاً للبنانيين تحوّل إلى ساحة حرب وانقسام وتصنيف.
«بيروت للسنّة فقط»، «السنّة في لبنان»، هي احدى المجموعات الموجودة على الموقع وتحتوي على أكثر من خمسمئة عضو يبدو انهم مقتنعون بأنّ كل الطوائف الباقية دخيلة على «الروح البيروتية السنّية»، وهي تقدم منابر لرشق أبناء باقي الطوائف بعبارات طائفية وعنصرية وطبقية، بدءاً بتوصيف الآخرين بالـ«متخلّفين» والشماتة بالوضع المعيشي المتدني والإهمال الكبير الذي تعاني منه بعض المناطق «المحرومة» في لبنان. أما مجموعة «مئة بالمئة شيعة» فترحب بالمنضمّين الجدد من غير الشيعة بعبارة «مش عارِف من الاسم إنّو المجموعة بس للشيعة؟ تفضّل فلّ»! أما مجموعة «النصر والشيعة» فتحتوي على ألف عضو ويحتدم فيها النقاش وتكثر الشتائم التي تبدأ بالزعيم السياسي لتصل إلى المسّ بالمعتقدات الدينية. وحتى الجمال أصبح طائفياً على «فايس بوك». فهناك مجموعة «أحلى بنات، بنات الشيعة» وفي وجهها «أحلى بنات، بنات السنّة». وتتسابق المجموعتان إلى جذب أكبر عدد من الأعضاء لتثبت أنها «الطائفة الأكبر في لبنان». اما عند المسيحيين فحدّث ولا حرج. غير أن الاختلاف بينهم سياسي بحت، باستثناء بعض المجموعات «الأرثوذكسية» وتلك «المارونية» التي تتهم الطائفة الاخرى بـ«الهرطقة». غير أن اللافت هنا هو توحّد القواتيين والعونيين في مجموعة مثل «المسيحيين هم الأفضل في لبنان»، التي يحتوي على عبارات فوقية مقابل الطوائف الباقية، وفيها يقرّر المسيحيون العمل على تأليف «جبهة موحّدة» لحماية طائفتهم «من الغزو المسلم». أما مجموعة «المسيحيون اللبنانيون ليسوا عرباً، بل فينيقيون»، فهي تبرّر وجودها واسمها ومبدأ انشائها بجملة واحدة هي «النظريات لا تفيد، نحن لسنا عربــاً».
وفي ظل هذا الاحتدام الطائفي تبرز بعض المجموعات «الوطنية» التي تحاول تقريب وجهات النظر بين الطوائف مثل مجموعة «شيعة وسنية ودروز، إسلام ومسيحية»، لكنها، على ما يدلّ مستوى الإقبال عليها، لا تحظى بجماهيرية كبيرة، إذ يصل عدد أعضــاء مجموعة كهذه إلى مئة عضو فقط حدّاً أقصى.