strong>محمد عبد الرحمن
«على الفنانين الراغبين في الظهور على شاشتنا الاتصال على الرقم الآتي...»! هذه حال المشهد الفضائي: محطات تنمو مثل الفطر، مُعلنون يشكون من «فقر» المحتوى، ومحللون يتوقعون أن يصل عدد الشاشات العربية إلى 7000 في عام 2017!

ماذا لو سألتَ أحد المشاهدين العرب عن أبرز 20 محطة يتابعها بانتظام؟ لا شكّ في أنه سيجد صعوبة في الوصول إلى القناة العاشرة... تشير بعض الإحصاءات إلى أنّ إجمالي عدد المحطات العربية يُقارب 480 (بينها 410 فقط على «نايل سات»)، كذلك تفيد دراسات أخرى بأن عدد القنوات العربية سيصل إلى 7000 عام 2012 (وهي دراسة أطلقها طارق السويدان، المدير العام لقناة «الرسالة» الدينية التابعة للوليد بن طلال)... فيما يغيب عن بال المهتمين بالمشهد الفضائي العربي مناقشة مضمون ما تبثّه شاشاتنا. وهو ما انعكس ربما على أرقام الإنفاق الاعلاني في برامج التلفزيون الآخذة بالانخفاض ـــــ على رغم هذه الطفرة الإعلامية ـــــ وانتقاد المعلنين «فقر» المحتوى الذي تقدمه الشاشة الصغيرة. ولهذه الأسباب ربما، انحصرت خيارات المشاهدين بعدد قليل من المحطات المعروفة.
يبدو المشهد إذاً متناقضاً: فيما تجهد المحطات الكبرى لابتكار برامج أكثر «إغواء» للجمهور والمعلنين، تنمو فضائيات أخرى مثل الفطر، لتقدم برامجها كيفما اتفق، بميزانيات محدودة، ومضمون رديء. لكن لماذا يقبل رجال «البزنس» على إنشاء هذه الفضائيات؟ ربما السلطة، وربما التجارة، وربما الاثنتان معاً. لكن الأساس هو «حلم امتلاك قناة»، أياً كانت النتيجة.
وعندما تجلس مجموعة من المستثمرين مع الإعلاميين، ويقررون إطلاق فضائية جديدة، فهم يدركون ـــــ حسب منطق السوق ـــــ أنّهم بحاجة إلى ملايين الدولارات ليدخلوا المنافسة. هذا ما فعله نجيب ساويرس مثلاً يوم قرر تقديم محطة خاصة، خصص لها 17 مليون دولار أميركي قبل الانطلاق. ومع ذلك، لم تجد شاشة otv المصرية حتى الآن طريقها إلى الجمهور. فالمشاهد لم يعد يرضى بالقليل، وسط سباق محموم مُكلف جداً.
أما بالنسبة إلى القنوات الجديدة، فالميزانيات الضخمة آخر ما تعنيها. كيف لا، وشركة «نايل سات» مثلاً تقدّم الهواء بمجرد دفع ربع المبلغ المطلوب لإنشاء قناة (120 ألف دولار)، إضافة إلى 30 ألف دولار للتأمين؟! ثم يتم تسديد الأقساط الباقية من أرباح المحطة. أضف إلى ذلك أنّ الإطار القانوني الذي يحكم عمل الشركة المصرية للأقمار الصناعية ينصّ على أنّ مضمون برامج أي محطة هو من مسؤولية صاحبها فقط.

تسهيلات وعروض

على رغم التسهيلات المادية التي يقدمها «نايل سات»، اتجهت قناة جديدة تدعى «قمر» إلى «نور سات»، غير المنتشر بين المصريين. وذلك لضمان تكلفة أقل، تسمح لها ولممولها ـــــ وهو نجل سياسي مصري بارز ـــــ بتسديد الدفعة الأولى من إيجار البث، في انتظار تمويل جديد يعتمد على الإعلانات والرسائل القصيرة.
وبما أنّ البحث عن أرخص الأسعار هو القاعدة، لم يكن غريباً أن تستعين القناة الوليدة بلاعب مغمور وممثلة كليبات لتقديم برامج رياضية ومسابقات، على اعتبار أنّ الميزانية لا تتحمل التعاقد مع نجوم... ليس فقط لأن أجورهم مرتفعة، بل لأن النجوم الحقيقيين يتعاونون مع محطات شهيرة. وهم لن يغامروا، بطبيعة الحال، بالظهور على شاشة مغمورة.
حتى الإعلانات على هذه الشاشات، تعود إلى ربع قرن مضى. «قمر» على سبيل المثال، روّجت أنّها ستسجل لقاءً مع زين الدين زيدان خلال زيارته إلى مصر، على أن يبث اللقاء في كانون الثاني (يناير)، تزامناً مع إطلاق المحطة. علماً بأن الوسط الصحافي يعرف جيداً أنّ اللقاء التلفزيوني الوحيد الذي سجل مع زيدان، كان من نصيب برنامج «البيت بيتك» على التلفزيون المصري.
و«قمر» ليست النموذج الوحيد، لكنّه الأحدث. فـ «نايل سات» مليء بقنوات دينية ورياضية وترفيهية وموسيقية وحتى طبية. وجميعها ترفع الشعار نفسه: اختيار «لوغو» جيد، وإعداد مواد على عجل، تكفي ثلث ساعات الإرسال، ثم إعادة بثها مرتين في اليوم.
ولعلّ ما يحدث في المحطات الرياضية دليل كاف على هذه الفوضى العارمة في عالم المرئي. إذ تفجرت أخيراً قضية اكتشاف تسريب شرائط لمباريات قديمة من داخل التلفزيون المصري. واتجهت أصابع الاتهام صوب محطتي «مودرن» و «دريم»، خصوصاً أن كلًّا منهما تطلق قريباً شاشة رياضية متخصصة. وهو ما دفع برئيس «دريم سبورت» إيهاب صالح، ورئيس «مودرن سبورت» أيمن يونس إلى تأكيد «براءتهما» لأن «محطة «دريم» تملك أرشيفاً مميزاً ولا تحتاج إلى «السرقة». أما «مودرن» فتشتري المواد التي تريدها من أرشيف التلفزيون.
وانتشار كل هذه القنوات الرياضية، عاد بالفائدة على المعلقين الرياضيين، حتى أصبح الوسط يتداول يومياً أخباراً عن استقطاب الفضائيات لأسماء مثل أحمد شوبير وطاهر أبو زيد ومصطفى عبده وخالد الغندور، متفوقين بذلك على أبرز الإعلاميين. حتى أنّ زيارة أبو زيد إلى التلفزيون المصري، أحدثت شائعات لا حصر لها. وفيما ارتفعت أسعار ضيوف البرامج الرياضية، انخفضت تباعاً أجور الفريق الفني، لأن القنوات لا تتحمل «ميزانيات إكسترا» تسخى على موظفيها، خصوصاً أن حصيلة الاعلانات لا تزال منخفصة، ودخل الرسائل القصيرة يمول قنوات أخرى، تعرض كليبات فقط ولا تنتج برامج أو تشتري مباريات. هكذا تركت هذه المحطات لمذيعيها مهمة الاعلان عن أنفسهم مع غياب أي ميزانيات تخصص للدعاية. وهكذا مثلاً يجهد أيمن نور الدين، مقدم برنامج «باباراتزي» على قناة «مودرن» الأم، في الترويج وحيداً لحلقات برنامجه الفني الحواري.

إغواء المشاهد

مع القنوات الدينية، هناك حكاية أخرى. هذه المحطات باتت حديث الناس: إضافة إلى خطابها الهش والصرف التعسفي للموظفين، تسعى «الشاشات الملتزمة» إلى تحقيق الربح بشتى الوسائل، على رغم أنها أقل القنوات إنفاقاً. ووصل الأمر بمحطة أُطلقت قبل رمضان إلى بثّ نداء للمشاهدين بالدعاء لنجل مدير القناة الذي يمر بظروف صحية عصيبة. هكذا بات المشاهد يدفع ثمن الدعاء، إذ انهمرت على المحطة المذكورة ملايين الرسائل التي تدعو للطفل المريض، وهو ما عاد بثروة على والده.
وأخيراً قنوات الترفيه والكليبات... حالها تشبه حال الغناء العربي اليوم. وإذا كانت معظم البرامج سطحية إلى حد التفاهة، تسعى أولاً وأخيراً إلى «إغواء المشاهد»، فإن محطة جديدة اسمها «أغانينا»، كشفت عن أهدافها من دون لفّ ودوران، أو حتى أي جهد تسويقي. وها هي توجه على شاشتها نداء عاجلاً: «السادة أصحاب شركات الإنتاج الفني والأخوة الفنانون الراغبون في عرض أغانيهم على شاشة «أغانينا»، الرجاء الاتصال بنا على الرقم الآتي...»!