علي السقا
«سوف نساعد العراقيين على بناء عراق كامل، حرّ وسائر على طريق الديموقراطية» بهذه الجملة للمستشارة الأميركية للأمن القومي كوندوليزا رايس، يبدأ كتاب «الحرب والاحتلال في العراق» («مركز دراسات الوحدة العربية» بالتعاون مع «اللجنة العربية لحقوق الإنسان»). الكتاب الذي جمع مواده جيمس بول وسيلين ناهوري وعرّبه مجد الشرع (مراجعة هيثم مناع وعمر الأيوبي) عبارة عن مجموعة تقارير أصدرتها منظمات غير حكومية تسلّط الضوء على المسألة العراقية من جوانبها كلها، علماً أن شق القانون الدولي يستأثر فيه بحصّة الأسد.
ينطلق الكتاب من بديهيّات السياسة الخارجية الأميركية. إذ درجت العادة على اختلاق مسوغات تبيح غزو شعوب العالم. مَن منا لا يذكر كيف تمّ الإعداد للحرب على العراق؟ إنّه تعميم الذعر، بشكل تنتعش فيه المخيلة الجماعية بتصوّرات عن مدى شراسة ذاك العدو الوحشي. فيغدو الخوف شعوراً عالمياً، وهو ما يحيلنا على كتاب «طموحات امبريالية» للمفكر الاميركي نعوم تشومسكي الذي يقول إنّ أحد أسباب الحرب على العراق هو التأسيس لمعيار جديد في السياسية الاميركية هو معيار القوة الخارقة التي يرزح العالم حالياً تحت سطوتها. فبفعل هذه السطوة، تمكنت قوات «التحالف» من اعادة تشكيل الخريطة السياسية في العراق بطريقة تشرعن وجودها وتخوّلها أن تكون «حاكماً في الظل».
يعرض الكتاب كيف استُبعدت مكوّنات أساسيّة في المجتمع العراقي بتسليم السلطة الى مجلس حكم موقت عُيِّن اعضاؤه ومارس مهماته بإشراف مباشر من الحاكم المدني آنذاك بول بريمر. وهو ما أسهم في تعميق الهوة بين العراقيين التي كانت أصلاً النتيجة الحتمية لسياسة التفريق التي اعتمدها نظام صدام حسين.
ويستعيد الكتاب أرقاماً مخيفة عن حجم الدمار الذي لحق بالمدن نتيجة الغارات الأميركية العشوائية التي أودت بحياة «مئات آلاف القتلى من النساء والأطفال». فعراق اليوم يعاني انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان ويفتقر العراقيون الى أبسط معايير احترام النفس البشرية التي نصّت عليها دساتير الدول. أمّا الاعتقال العشوائي فحدّث ولا حرج، إذ يشير الكتاب إلى اكتظاظ المعتقلات السرية بالعراقيين رجالاً ونساءً وحتى أطفالاً. وقد بلغ عددهم «أربعين ألفاً اعتقلوا بشكل تعسفي دون تهم أو محاكمة حتى الساعة».
وفي خضمّ انهماك قوات التحالف في المستنقع العراقي، قد نخال أنّ الأميركيين لا يملكون وقتاً للتراث ولا يقدّرون تلك القيمة الحضارية والفكرية. ولذلك، يغضّون الطرف عن أعمال النهب المنظّم التي تتعرض لها المواقع الأثرية في بلد مثل العراق يزخر بأكثر من 150 مدينة أثرية سومرية وصولاً الى بابل ونينوى. لكنّ اللافت أنّ الكتاب يبرهن تورط مافيا الآثار الأميركية والعراقية في أعمال نهب منظمة وإضرام النار في المكتبة الوطنية التي تحوي أقدم المخطوطات والصحف في العالم. إنّها عملية منهجيّة لمحو الذاكرة العراقية، تماماً كما يحصل في فلسطين؟ كيف لنا بعد أن نفهم تاريخ البشرية؟ وأي كتب ستفرد صفحاتها من جديد ليدوّن العراقيون تاريخهم؟