محمد عبد الرحمن
كنّ آخر موضة قبل سنتين، وكان يتنافس على ودّهن المنتجون والفضائيات. ثم دارت الأيام، فطردن من التلفزيون وضاق بهنّ نعيم الدراما. وها هو نجيب ساويرس يعلن عليهنّ حرباً شعواء.. كيف انقلب الدهر على الفنانات «الملتزمات»؟

«سبحان مغيّر الأحوال»... تنطبق هذه المقولة على ظاهرة الفنانات المحجبات اللواتي يواجهن اليوم مشاكل عدة، أعادتهن جميعاً إلى الواجهة. بعد جدل إعلامي متواصل، وترحيب حار من منتجي الدراما، والترويج لأهمية مشاركة ممثلات ملتزمات في مسلسلات اجتماعية لا دينية، والتأكيد على أن هذه الظاهرة ستنتشر بشكل كبير في القريب العاجل... تغيّرت الصورة اليوم، وبدأ الهجوم المضاد. لكن معظم النيران جاءت «صديقة»، بشكل أربك المحجبات، ورفع وتيرة المشاحنات الصحافية والتلفزيونية، وأجبرهن على الاختفاء كي يلتقطن أنفاسهن، ويستعدّن لإطلالة جديدة، مدروسة بشكل أكبر، يقيهن سهام الأعداء والأصدقاء.
وبعد غياب فنانات الحجاب عن دراما هذا الموسم، وتعثّر إنتاج مسلسلات جديدة لهنّ، ها هي عبير صبري تثير ضجة كبيرة في المجتمع المصري. فالممثلة ومقدمة البرامج، لم تكن تتوقع ـــــ وهي تخلع الحجاب ـــــ أن الحملة عليها ستصل إلى تحريك دعوى، تطالب بتطبيق «حد الحرابة» بحقّها.
يعلم الجميع، بمن فيهم عبير صبري والمحامي نبيه الوحش الذي رفع الدعوى عليها، أن القاضي لن يحكم بتطبيق الشريعة عليها، فمعدّلات «خلع الحجاب» لم ترتفع نتيجة ما فعلته عبير! لكن مجرّد نشر الخبر أحدث ضجةً في الأوساط الإعلامية والفنية، وهو ما دفع المعارضين لحجاب الفنانات إلى الإعلان أن هذه هي نتيجة «اللعب بالنار في منطقة محظورة». فالتجربة أثبتت أن عودة الفنانة المحجبة إلى الأضواء، تثير الكثير من الجدل والمشاكل. فكيف ستكون الحال إذا خلعت الحجاب، وعادت بشكل طبيعي إلى البلاتوه؟
صحيحٌ أن هناك أسماء أخرى سبقت صبري، واتخذت القرار الجريء، لكنها لم تحدث الضجة نفسها: أشهرهن حلا شيحة التي ارتدت الحجاب ثم عادت وخلعته، وعادت واقتنعت به، وآخرهن المذيعة بسمة وهبي التي ستطل قريباً عبر «روتانا موسيقى» بعدما قدمت بالحجاب برنامجاً دينياً على قناة «إقرأ». أما وضع عبير صبري فهو مختلف، لأن نشاطها بالحجاب في التقديم والتمثيل لم يتوقف يوماً، على رغم تأكيدها مراراً أن غطاء الرأس يقف عائقاً أمام انتشارها الفني.
هكذا خلعت عبير الحجاب، لتعيش مواجهة حامية مع المحامي الوحش الذي بدأ بمطاردتها، ودفعها إلى الابتعاد عن الأضواء، والإقامة في باريس. وتفادياً للانتقادات، قللت من ظهورها الإعلامي، ولم تطل إلا مرة واحدة على التلفزيون المصري في فقرة مسجّلة من برنامج «البيت بيتك»، ومرة أخرى في سهرات العيد على تلفزيون قطر، معلنةً أنها سترفع دعوى موازية على الوحش، تتهمه فيها بالتشهير والتحريض.
ومن عبير صبري إلى منى عبد الغني، الممثلة التي نجحت في الجمع بين الأعمال الاجتماعية والدينية، فوجئت بهجوم من نوع مختلف: حملاتٌ عنيفة تساق ضدها لأنها أدّت دور السيدة نفيسة في مسلسل «الإمام الشافعي» على اعتبار أن السيدة نفيسة من نسل الرسول، وأن عبد الغني لم تكن مناسبة للدور. والمفارقة أن فايزة كمال قدمت الدور نفسه في مسلسل آخر قبل عشر سنوات، ولم يعترض أحد على ذلك. بل بالعكس، قيل آنذاك إن العمل الدرامي أسهم في تعريف الجيل الجديد بشخصية السيدة نفيسة ومكانتها.
لكن المعركة سرعان ما هدأت، بعد خروج فتاوى مضادة، وفشل المسلسل على الصعيد الجماهيري.
أما صابرين فنالت نصيبها من الهجوم، بعدما استعان بها أحمد عبدون، مقدم برنامج «عمَّ يتساءلون» على شاشة «دريم»، للردّ على أسئلة الجمهور. وعلى رغم الإعلان أن صابرين ستهتمّ فقط بالشقّ الاجتماعي لا الديني، لم تخلُ إطلالتها من اعتراضات بلغت حد مطالبة بعض الشيوخ بعدم المشاركة في البرنامج، لأنهم بذلك يتساوون مع «ممثلة» حتى لو كانت محجبة.
وبقيت أخيراً حنان ترك، أحدث المحجبات وأكثرهن نجومية... وهي خرجت أخيراً بتصريحات اتخذها معارضو الحجاب دليلاً على أنّ ارتداء الممثلات لغطاء الرأس يروّج للفكر المتطرف في الوسط الفني. كيف ذلك؟ أكدت أنها قاطعت مهرجان القاهرة العام الماضي احتجاجاً على تصريحات وزير الثقافة فاروق حسني ضد الحجاب. وكذلك أشارت إلى أنها قاطعت العروض الجماهيرية لفيلميها الأخيرين «قص ولزق» و«أحلام حقيقية»، بسبب المشهد الرومانسي في نهاية الشريط الأول، ولأن بعض مشاهدها في الفيلم الثاني «غير شرعية»، لأن التلامس بينها وبين أي ممثل «حرام شرعاً»!
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن صابرين ومنى عبد الغني وعبير صبري شاركن سابقاً في تقديم برامج قناة «الرسالة» الدينية عندما انطلقت في آذار (مارس) 2006. لكن سرعان ما اختفت برامجهن، بعدما أدركت المحطة أن الاستعانة بهؤلاء الفنانات، دفعت بشريحة كبيرة من المشاهدين إلى تصنيف القناة على أنها محطة اجتماعية، وهو ما أثّر سلباً في الهدف المنشود من المشروع.