strong> عبد الغني طليس
تكاد نوال الزغبي أن تكون نموذجاً مثالياً للمغنية التي شهدت علاقتها مع جمهورها وشخصيتها الغنائية خلال السنتين الأوليين من القرن 21، الكثير من التوتر. فيما كانت كانت قبل ذلك تعيش في نعيم مقيم جمهوراً وحفلات وإنتاجاً و... صحة. إذ لا يجوز في خلال الكلام على الزغبي وتجربتها الغنائية التي بدأت مطلع التسعينيات وتمتد حتى اليوم التطرق إلى صعود أكبر من انحسار، وحركة تتفوّق على البطء، وظهور يصارع كل غياب... من دون الالتفات جدياً الى العارض الصحي المؤلم الذي أصابها، واستمرّ ما يقارب سنة ونصفاً. وقد اضطرت خلال هذه الفترة إلى «الاستقالة» الكاملة من أي نشاط فني، تفرّغاً للعلاج الذي استغرق أشهر، وتولّدت منه معاناة شخصية عميقة ومزدوجة. المعاناة الأولى كانت مع المرض نفسه، إذ أُخضعت في مواجهته لمضادات مركزة وثقيلة وحيوية، تركت آثاراً سلبية واضحة على مظهرها: إن من ناحية السمنة أو تغيّر الملامح. وهذا، في حدّ ذاته، مشكلة يقام لها ولا يقعد، في وسط فني يحرص نجومه على اللياقة البدنية الكاملة و«الطلّة البهية». وقد أجبر المرض نوال الزغبي على ملازمة المنزل، وعدم الخروج منه إلا إلى المستشفى فقط، كما قالت أكثر من مرة، في استعادة لأجواء تلك «الفترة الرهيبة»...
أما المعاناة الثانية فكانت مع الحياة الفنية نفسها، إذ غرقت نوال في همّها الصحي الذي شلّ العافية الغنائية والإنتاجية، فلم تقدم أي ألبوم إبان المرض، ولم تحيِ أي حفلة، ولم تصور أي فيديو كليب... بقيت على هذه الحال أكثر من سنتين، إلى أن قامت من محنتها متخلصةً من ذلك «الهمّ الفظيع». نهضت فوراً إلى نفسها وأغانيها، وكانت بالفعل أقوى من المرض الذي غلبته بصبرها وعنادها وإصرارها على العلاج والتكيف مع ظروفه. وإذا بمسيرتها الجديدة تشهد انتفاضة متمثلة بألبوم وكليبات وحفلات ومقابلات لا تحصى. أكدت فيها الزغبي أنها مغنية قادرة على هزيمة المرض، وقادرة أيضاً على اللحاق بما فاتها من الوقت والأعمال والحضور و... المنافسة في وسط أفرز عدداً من المغنيات اللبنانيات «الجديدات» اللواتي احتللن المكان، وكدن لا يتركن مطرحاً لغيرهن، اعتماداً على الجسد والجسد أولاً.
من الضرورة الاعتراف لنوال الزغبي بالنجاح في استعادة المبادرة والموقع ومنطق المنافسة مع «الجديدات»، عبر أغان أظهرت أن طاقة صوتها لم تتراجع، وعبر كليبات حاكت عصر الإيقاع. أطلّت بكامل لياقتها البدنية، فلا صوتها بدا مرهقاً بالأثر النفسي للمرض، ولا ذهنها كان مشتتاً. قدمت نفسها كأنها مغنية جديدة، تعرف ما تريد، وتنظر إلى إمكاناتها نظرة واقعية خالية من الأوهام، وتختار الأغاني التي تعكس نضجاً كان بدأ يتسع في حنجرتها ويحوّل أداءها في اتجاهات أعمق. واجهت إشكالات إنتاجية مع شركة «صوت الفن» في تلك الفترة، كادت تكبح انطلاقتها الثانية، بل كادت تدفعها إلى اليأس من الغناء وشركات الإنتاج. ومع ذلك عبرت نوال الزغبي هذه المحنة أيضاً، بشحنات إضافية من الإرادة والصبر والاعتماد على النفس. وحققت هدفها الفني الذي كان ولا يزال: الحفاظ على النجومية.
على أن أسوأ ما قدمته نوال الزغبي أخيراً، هو إعادة تسجيلها أغنية عبد الحليم «حبيبتي من تكون»... ذلك أن الحيوية في ألبومين متتاليين والغنى في صوتها الذي تجلّى في تلك الأغاني غابا في «حبيبتي من تكون» إلى حدّ الشعور بأن الأغنية وضعت في التداول في لحظة تخلٍّ... وأن المقارنة بين أداء أي من أغاني الألبومين وأداء أغنية عبد الحليم على طريقة نوال ، تؤكد الانطباع بأنها لحظة تخلٍّ فقط لا غير، تكاد أن توازي لحظة التخلّي الصحي!
... وتكمل الزغبي التي انضمت إلى «روتانا»، كأن شيئاً لم يكن من المرض أو التأخير. من حقها أن تبحث بعد لحظة التخلّي عن لحظة التجلّي.