باسم الحكيم
القناة الإخباريّة المنبثقة من رحم «الفيوتشر»، تبدأ بالبث يوم الاستحقاق الرئاسي، وعشيّة «عيد الاستقلال» اللبناني... ما هو رهان القناة الوليدة، وهل تنجح في امتحان الموضوعيّة؟ زيارة إلى الكواليس لاكتشاف خلفياتها السياسية والإعلامية

تشهد الاستديوهات الجديدة لقناة «المستقبل» الإخبارية، في «هنغار» التلفزيون في منطقة القنطاري حيث كانت استوديوهات «زين»، حركة نشاط مكثّفة. الموظفون والمعدّون والمذيعون والمسؤولون، جميعهم في حالة تأهّب قصوى، يتنقّلون داخل الباحة الواسعة التي قسّمت إلى مكاتب واستديوهات، وامتلأت بعشرات الشاشات والكاميرات والمعدّات التقنية الحديثة، في انتظار ساعة الصفر. قبل دخولك إلى المبنى، لا بدّ من المرور على التفتيش لضرورات أمنيّة، ولن تجد من يستقبلك على المدخل الرئيسي سوى رجال الأمن. هنا، لا أحد يدلّك على الطريق، فالكل منهمكٌ بعمله. أما نديم المنلا، المشرف على القناة في الأشهر الأولى من انطلاقها، فيتحدّث إلى الموظفين، مستفسراً عن أمور عالقة، ومقدماً بعض التوجيهات.
في استديو الأخبار، مذيعة إحدى النشرات الأجنبية التي ستعرضها القناة، تقرأ أخبار النشرة صفر. وفي غرفة المونتاج، يحضّر المعدّون بعض الأشرطة التي ستعرض ليلة الانطلاق. فيما شاشات الرصد موزّعة في كل مكان، تتابع نشرات الأخبار وبرامج القنوات العربيّة المتخصّصة. لا مكاتب شاغرة في الطابق السفلي، ومعظم مكاتب الطابق الثاني، لم يتوزّع عليه الموظفون بعد.
وسط هذه الزحمة، يستقبلك المدير التنفيذي عبد الستار اللاز، بعدما أنهى جولة على الأقسام. يجلس مع الصحافي فيصل سلمان، يتحدثان عن قضايا الساعة من القناة الوليدة إلى تأجيل جلسة الانتخاب. ثم ينضم إلى اللقاء المنلا الذي يستأذن اللاز باستخدام مكتبه لإجراء الحوار. هذا المكتب الذي يبدو أشبه بغرفة عمليات، تتراكم على طاولته صحف محلية وعربيّة ومشاريع برامج.
«الآن اكتملت التحضيرات، وصرنا جاهزين للانطلاق في موعد يفرض نفسه عشية الاستقلال»، يستهلّ المنلا كلامه، معتبراً هذا الموعد «منطقيّاً لولادة قناة إخباريّة بالمعنى الواسع للكلمة، تُعطي الهامش الأكبر للشأن اللبناني لا على مستوى الخبر والتحليل والحوار السياسي فحسب، بل على صعيد البرامج الاجتماعية والاقتصادية والرياضيّة أيضاً».
يولي المنلا أهمية كبرى لإطلاق قناة إخبارية تعنى بالشأن اللبناني في عصر التكنولوجيا الذي يسمح للمرء اليوم، بتلقّي نصوص الأخبار على هاتفه الخلوي، ويُتوقع أن يصل الخبر بالنص والصورة إلى صاحب الهاتف، بعد عام تقريباً. ويضيف: «من هنا، كانت الحاجة ملحّة لقناة إخباريّة، تزامن انتهاء التجهيز لها مع ذكرى الاستقلال، وهو ما يعطي نكهة لانطلاقتها في فترة يستعدّ لبنان لمخاض جديد ومنعطفات مصيرية. ولا يمكن أي مؤسّسة إعلاميّة أن تكون خارج هذا المخاض». ويشرح: «نخطط للسنوات العشر المقبلة، وليس لخدمة ظروف معيّنة». وعلى رغم أن لبنان يعيش اليوم مرحلة خطرة تهدد مستقبله، يرى أن «البلد يواجه استحقاقات عدة، سيقع على عاتق القناة مهمة مواكبتها في الأعوام المقبلة. وقرار إنشاء محطة إخباريّة، لا تقاس باستحقاق واحد».
يذكّر المنلا أن فكرة إنشاء «فيوتشر نيوز» جاءت بعد انتهاء حرب تمّوز، «لأنه كان واضحاً أنه بقناة واحدة لا يمكننا التوفيق بين الترفيه والأخبار، في بلد يعيش أحداثاً سياسيّة متتالية، وفي عصر بات فيه التخصص في الإعلام المرئي سيّد الموقف. أضف إلى ذلك أن «المستقبل» الأم تمتلك كوادر كبيرة في قسم الأخبار والبرامج السياسيّة، يناهز عديدها 180 شخصاً». من هنا، ينفي المنلا أن تكون المحطة استعانت بـ «أكثر من عشرين شخصاً من جنود LBC المجهولين والمعروفين. إذ إننا تعاقدنا مع متخرجين جدد وخبرات من قنوات أخرى، بينها LBC و«الحرة» وanb وFrance 24، علماً أنّ بعض مذيعي نشرات الأخبار أتوا من «المستقبل».
أما الذين انضموا أخيراً فهم نضال أيوب، بسّام برّاك، محمد زينب، نديم قطيش، وبولا يعقوبيان ».
لا ينكر المنلا رغبته في إطلاق القناة في منتصف شباط (فبراير)، في ذكرى اغتيال الرئيس الحريري وإنشاء تلفزيون «المستقبل» عام 1993. إلا أن الأمر لم يتخطّ كونه رغبة غير قابلة للترجمة على الأرض. ويوضح: «الموعد المبدئي الذي تحدثنا عنه لإطلاقها، كان في بداية الفصل الثاني من العام الجاري. في ذلك الحين، كنا نفكّر بالقناة في إطار أضيق من الذي انتهت إليه. وكنّا نخطط لعدد نشرات أقلّ، واستديوهات أخبار مختلفة شكلاً ومضموناً. وإذا بنا ننتهي مع تسع ساعات ونصف من الأخبار يوميّاً و24 برنامجاً أسبوعياً. وهذا ما لم يكن بالإمكان إنجازه خلال ثلاثة أو أربعة أشهر».
وإذا كان يحدد السابعة من ليلة 21 الجاري للانطلاق، فإنه يعود ويؤجل الموعد، «لأن اتخاذ القرار جاء قبل تأجيل جلسة انتخاب رئاسة الجمهوريّة إلى 21 تشرين الثاني (نوفمبر)، وهو ما دفعنا إلى إعادة التفكير بساعة الصفر، ولم نتوصل بعد إلى موعد نهائي بشأنه».
لا شكّ في أن «المستقبل» بصفتها قناة عامة، تمثّل أحد اللاعبين الأساسيين على الساحة السياسيّة. فإلى أي مدى ستسعى القناة الإخباريّة الشقيقة إلى الموضوعيّة، خصوصاً أن المحطة الأم هي لسان حال تيار المستقبل، تبدي في برامجها انحيازاً شديداً لسياسة 14 آذار؟ يقول: «البرامج منفتحة على الأفكار والطروحات السياسيّة في البلد، وبالتالي نرى أنّنا موضوعيون في برامجنا السياسية». ويؤكد أنّ «المشاهد سيفاجأ بالمساحة المعطاة لجميع الأطراف السياسيّة في لبنان، ولن يغيب عن شاشتنا إلاّ من يتخذ هو قراراً بعدم الظهور عندنا». ويشير إلى أنّ «هناك الكثير من الأطراف السياسيّة تدعى إلى المشاركة في برامجنا السياسيّة، وهي التي ترفض». كذلك يكشف عن زيارات «أقوم بها للأطراف السياسيّة من الرئيس بري إلى رئيس تكتل الإصلاح والتغيير ميشال عون، ونحن منفتحون على الجميع». بقي سؤال أساسي عن القناة التي أعلنت منذ البداية أنها لن تنافس «الجزيرة» أو «العربية»: ماذا عن الميزانية المرصودة في زمن الميزانيات المفتوحة للمحطات الإخباريّة، علماً بأن الديكور والمعدّات تدلّ على تخصيص ثروة طائلة لهذه الشاشة؟ يجيب: «شهرتي تسبقني في هذا الإطار، ولا نصرف قرشاً واحداً إلاّ في المكان الصحيح. وأبشّرك بأن «فيوتشر نيوز» تملك حتماً أصغر ميزانية من كل القنوات الإخباريّة المتخصّصة».