strong>بيسان طي
كادت تخفت في الآونة الأخيرة تلك الأصوات المطالبة بحماية الخصوصية الفردية من سطوة الإنترنت، لكن الجدل لم ينته، إذ سيتجدد مع إعلان المسؤولين عن موقع «فايس بوك» أخيراً صفقةً جديدةً سيوقّعونها مع بعض شركات الإعلانات تجعل الموقع «وسيلة إعلامية ومكاناً للعلاقات العامة» وفق رسالة نُشرت في صحف أميركية.
بموجب الصفقة أو الاتفاق الجديد ستتمكن شركات مختلفة من الوصول إلى معلومات شخصية عن زوار «فايس بوك» الذين يبلغ عددهم 50 مليوناً حتى الآن، وستشمل المعلومات المعروضة على الشركات أموراً تتعلق بالهويات الدينية للمشتركين وأعمارهم وجنسياتهم وخياراتهم الجنسية وانتماءاتهم السياسية (!) وغيرها من المعلومات.
يحق لأي زائر أن يرفض هذا الأمر، ولكن من يضمن أن الشركات لن تتوصل إلى التعرف به من خلال التدقيق في المجموعات الافتراضية التي ينتسب إليها عبر الموقع؟
«ماي سبايس» المنافس الأول لـ«فايس بوك» والذي يبلغ عدد زواره عشرات الملايين، كان قد أطلق في شهر تموز الماضي خدمة الإعلانات الموجهة التي تسمح للمعلنين بتوجيه إعلاناتهم لفئة معينة من زوار الموقع.
ويقسم «ماي سبايس» زواره بناء على «بروفيل» كل واحد منهم ونوعية الرسائل التي يتداولونها مع آخرين، وقد سبـق محرك البحث «غوغل» المواقع الأخرى في ميدان الإعلانات الموجهة، إذ يُستخدم صندوق البريد التابع له gmail لإرسال إعلانات متخصصة لفئات معينة من مستخدميه.
إعلان «فايس بوك» الأخير يجدد النقاش في الخصوصية في ظل سيطرة وسائل الاتصال على الحياة العامة، وقد بدأ بعض «المناضلين» من أجل هذه القضية برمي السلاح، فكيف نهرب من سطوة وسائل الاتصال وقد صارت معظم الخدمات الاقتصادية والفكرية وتلك المتعلقة بحياتنا اليومية تمر عبرها؟ وهل تذهب سدى كل الجهود الدولية لمحاربة البريد غير المرغوب فيه (سبام)؟
من فرنسا انطلقت قبل ثلاث سنوات طرفة جرى تناقلها عبر البريد الإلكتروني، وجاء فيها أن رجلاً توجه إلى مصرفه ليطلب سلفة مالية، فردّت عليه الموظفة المختصة بأن ذلك غير ممكن لأنه غير قادر على دفعها إذ أجرى فحصاً للدم وتبيّن فيه أنه قد يُصاب بفيروس قاتل، ولأنه يذهب إلى السينما مرتين في الأسبوع، ثم حددت له أنواع المأكولات التي يتناولها والأشخاص الذين يسهر معهم، والشركات التي يتعامل معها، والساعات التي يقضيها أمام شاشة الإنترنت ليجري محادثات مع صبايا من جنسيات مختلفة، إضافة إلى عشرات الأمور التي تُبين أنه إنسان غير جدّي وغير مؤهّل لنيل السلفة، وعندما سألها كيف حصلت على «بروفيله» هذا، أشارت إلى مواقع الإنترنت التي تعامل معها بشكل أو بآخر. عندما راجت هذه الطرفة لم يكن موقع «فايس بوك» قد وُلد، ويبدو أنه سيوفر لمن يرغب معلومات إضافية عن ملايين الأشخاص حول العالم لتُستخدم هذه المعلومات لغايات تجارية وسياسية طبعاً.