محمد خير
كلا، الكتاب الذي عرّب أخيراً، لم يأت رداً على مسلسل تلفزيوني تناول سيرة الملك المخلوع! إنّها حكايات صغيرة لا تخلو من «نميمة»، سجّلها الكاتب الأميركي وليم ستادين، عام 1991، عن آخر ملوك مصر الذي رقصت له كاميليا وفي عنقها نجمة داوود!
أصدر الضبّاط الأحرار أوامرهم إلى رجال القوات العسكرية التابعة للملك بالاستسلام. وعندما تيقّن الملك فاروق من نجاح حركة رجال عبد الناصر، استمر في إجراء الاتصالات بالسفير الأميركي كافري، والسفير البريطاني لامبسون، طالباً حمايته ومحذراً ــــ في حال سقوطه ــــ من تحوّل مصر إلى دائرة نفوذ شيوعي. لكن الأميركيين الساخطين على فاروق قرروا تركه لمصيره. أمّا السفير البريطاني فقد تحدث إلى أنتوني إيدن رئيس الوزراء في لندن، وتلقى أوامره: «ربما كانت إنكلترا قد منحت فاروق من قبلُ رتبة جنرال شرف في الجيش البريطاني، لكن التشريف كان كل ما لدى إنكلترا كي تقدّمه إلى ملك مصر».
ليست تلك اللحظات الأخيرة (في الحكم) هي ما يعتمد عليه كتاب الأميركي وليم ستادين، بل يبحث كتابه «فاروق ملك مصر ــــ حياة لاهية وموت مأساوي» في تدقيق ما تناثر عن ملك مصر الأخير من حكايات ونميمة. وعلى عكس المعتاد في مثل تلك الأمور، فإن الكتاب يؤكّد كثيراً ما تداوله الناس عن بذخ فاروق الأسطوري. وعلى رغم كشفه الأكاذيب التي أطلقتها صحف التابلويد الأميركية في الخمسينيات، لتشويه صورة الملك، إلا أنّه أكد الكثير مما يثير سخط أعداء الملكية إلى اليوم.
الكتاب الذي ترجمه الصحافي المصري أحمد هريدي رئيس تحرير مجلة «الشعر»، وصدر عن «سلسلة كتاب الجمهورية»، غابت عنه أي معلومات تتعلّق بتاريخ نشر الكتاب الأصلي. علما أنّ كتابToo Rich: The High Life and Tragic Death of King Farouk» صدر عام 1991 عن دار Carroll & Graf. المشكلة أنّ موقع mbc نشر بتاريخ 13 ت2(نوفمبر) تقريراً بعنوان «أثار جدلاً في واشنطن: الملك فاروق... صورة لاهية في كتاب أميركي». ويوحي العنوان أنّ الكتاب حديث، وله علاقة بالمسلسل، ثم نقع في الخبر على الجزم القاطع: «يبدو أنّ نجاح مسلسل الملك فاروق الذي أذيع على قناة mbc في شهر رمضان، لم يقتصر فقط على الوطن العربي، وإنما اتسع ليشمل الولايات المتحدة الأميركية. الأمر الذي أدى إلى قيام كاتب أميركي يدعى وليم ستادين بتأليف كتاب يرد فيه على وجهة نظر د. لميس جابر مؤلفة المسلسل»! عجباً! كيف يردّ كتاب صدر قبل 16 عاماً، على مسلسل انتهى عرضه قبل شهر. عجباً! كيف يستغفل موقع إعلامي مهمّ القارئ، فيحاول إقناعه بأنّ شهر رمضان كان كافياً لتأليف كتاب بالإنكليزيّة يرد على المسلسل، ثم لترجمته أيضاً. وهو كتاب 383 صفحة من القطع الكبير كما جاء في التقرير نفسه.
ولا شكّ في أن فترة تأليف الكتاب انعكست على بعض قناعات الكاتب الذي جمع مادة «فاروق ملك مصر...»، أيام كان الاتحاد السوفياتي يمثّل حضوراً حاسماً على الساحة الدوليّة. لذا نرى أن المؤلف الأميركي يتماهى أحياناً مع رؤية فاروق نفسه الذي يلوّح طوال الوقت بـ«بعبع» الخطر الشيوعي. في كتابه الذي اعتمد ــــ إضافة إلى مقابلة شهود عيان ــــ على ملفات ووثائق السفارتين البريطانية والأميركية، ينقل وليم ستادين عن فاروق أنّه «كان متأكداً من تمويل الروس لجماعة الإخوان المسلمين، لمساعدتهم على قيام ثورة في مصر تحت غطاء ديني». وهي معلومة في منتهى الغرابة، علماً أن الصياغة لا توضح إذا كان المؤلف يكتفي بنقل وجهة نظر فاروق، أم أنّه يتبنى بدوره ذلك الرأي.
إلّا أنّ السياسة ليست ما يجذب القارئ في كتاب وليم ستادين، بل حكايات البذخ والرفاهية الأسطورية. إذ يحكي المؤلف عن خدعة فاروق الأخيرة في حضرة الضباط الذين أجبروه على التنازل عن العرش. بعدما وقّع وثيقة تنازله عن العرش، قامت حاشيته بحزم أمتعته في 66 حقيبة. وبين الحقائب، كان هناك عدد كبير من صناديق الكحوليات الثمينة. هكذا ظنّ الضباط الذين راقبوا الملك أنّهم يكتشفون هنا كذبة ملكيّة أخرى. فالحاشية كانت تدعي أنّ فاروق لا يشرب الخمر، وها هم يكتشفون (كما تهيّأ لهم) حقيقة «الملك السكّير». أمّا في الواقع، فإن فاروق لم يكن يقرب الخمر فعلاً... وصناديق الكحول ــــ التي لم يفتحها أحد ــــ كانت ملأى بالذهب الخام الذي أخذه معه إلى أوروبا.
حكايات لا تحصى استخرجها المؤلف من الوثائق، أو جلبها من أفواه من عاصروا عهد ما قبل ثورة يوليو: ترحيب الناس بفاروق بعد كراهيتهم لوالده الملك فؤاد، مئات الآلاف من الجنيهات التي كان يخسرها الملك الشاب على موائد القمار. حفل زفافه مع ناريمان صادق الذي تداولته صحف العالم. دور الصديق اللبناني كريم ثابت في حاشية فاروق. كاميليا التي كان تترقص أمام فاروق وفي عنقها قلادة نجمة داوود. خلافات أم الملك مع زوجته، الفقر والثراء والعزة والبؤس والخطايا في الحياة القصيرة اللاهثة لآخر أبناء أسرة محمد علي...
ويمكن القول إن الطبعة العربية من الكتاب، شاءت أن تستفيد من الإقبال الشعبي على مسلسل الملك فاروق. فقد ضمّت، إضافة إلى ملحق الصور، قسماً منفصلاً يحتوي على أهم المقالات التي ناقشت المسلسل وعلاقته بالواقع، أبرزها ما كتبه أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن وصلاح عيسى ولطيفة سالم ويونان لبيب رزق.