محمد عبد الرحمن
النقابة العريقة عادت بالأمس صاغرة إلى بيت الطاعة. لكن الحدث الإعلامي في القاهرة، لا يقتصر على هذا الجانب. فالانتخابات جاءت بجديد، هو تسخير شاشات التلفزيون في المعركة، للمرّة الأولى، ما ساهم في ترجيح كفّة مرشّح الحكومة

الدورة الأخيرة من انتخابات نقابة الصحافة المصرية (أول من أمس)، لم تكن حدثاً عادياً... فضلاً عن خلفياتها السياسية وارتباطها بقضية سجن الصحافيين التي شغلت الرأي العام في الشهرين الأخيرين، دخلت على الخط هذا العام المحطات التلفزيونية الخاصة لاعبةً دوراً بارزاً في المعركة.
وإذا كانت القنوات الرسمية قد اكتفت في السنوات السابقة، بالإعلان عن فوز «أحدهم» بمنصب النقيب في نشرة الأخبار الرئيسية، فإن القضية اتّخذت منحى مختلفاً أول من أمس، مع اقتحام الفضائيات حلبة الصراع، وتخصيص قسم من هوائها لتغطية التطورات ونقل الوقائع.
هكذا مثلاً مرّ خبر فوز مكرم محمد أحمد نقيباً للصحافيين المصريين مرور الكرام في القنوات الحكومية، وأُقفل الملف عند التاسعة مساءً... فيما استمرّت كاميرا برنامج «العاشرة مساءً» على شاشة «دريم»، في نقل وقائع فرز الأصوات، وإعلان نتائج انتخابات المجلس حتى الواحدة فجراً. وهكذا أيضاً، نجحت مقدمة البرنامج منى الشاذلي، في رصد ما يجري داخل النقابة ومتابعته في واحد من أطول أيامها. وقد استغلّت جيداً سخونة المعركة، والتنافس الحادّ بين المرشحين، وزيادة عددهم، ثم ارتفاع نسبة التصويت بشكل مفاجئ وغير مسبوق في تاريخ انتخابات النقابة العريقة... لتقدّم إلى الجمهور المصري، مشهداً غير اعتيادي.
إلا أنّ اهتمام «دريم» بتغطية الحدث، عكس أيضاً أهمية تناول وسائل الإعلام المرئية لما يجري داخل المبنى الشهير في شارع عبد الخالق ثروت: معركةُ النقابة شهدت الكثير من التغييرات، مع تغطية المحطات التلفزيونية والصحف الرسمية والخاصة والحزبية لتطورات القضية طيلة الأشهر الماضية. وذلك منذ أن أعلن مكرم محمد أحمد نفسه أوّل المرشحين في الصيف الماضي، حتى اكتسح منافسيه مساء السبت، ليعود في الـ74 عاماً، نقيباً للصحافيين للمرة الثالثة، ويعيد النقابة بعد أربع سنوات إلى المعسكر الأقرب للنظام. بعدما كسر الاحتكار جلال عارف الذي حمل لقب «النقيب المستقل»، والمحسوب على المعارضة...
ولولا اهتمام «العاشرة مساءً» بالنقل المباشر، لما تابع آلاف الصحافيين والمواطنين، ما جرى داخل النقابة... فمعظم الناخبين غادروا المكان في الخامسة عصراً. ثم لحق بهم أنصار المرشحين لمنصب النقيب، فور إعلان النتيجة عند الثامنة مساءً، ليبقى 79 مرشحاً لمجلس النقابة مع أنصارهم في انتظار معرفة أسماء أعضاء المجلس الجديد الذي يضم 12 عضواً.
وكالعادة، شهدت ساعات الانتظار الأخيرة التي امتدت حتى فجر اليوم التالي، الكثير من المواقف، وخصوصاً مع ظهور مؤشرات متناقضة، ما دفع ببعضهم إلى ترديد العبارة الشهيرة: «باطل... باطل»، وخصوصاً مع تهديد القضاة باستكمال عملية الفرز في مقر المحكمة... هذا المشهد الذي كان يراه الحاضرون فقط، نقلته «دريم» على الهواء مباشرة، فيما كانت تستضيف متحدثين من فئات مختلفة للتعليق على فوز مكرم محمد أحمد.
إضافة إلى كلّ ما سبق، كان طبيعياً أن ينعكس الصراع بين أنصار المرشحيّن، على الشاشة، طيلة الفترة التي سبقت الانتخابات. ومع انتشار برامج مثل «البيت بيتك» و«العاشرة مساءً» و«تسعين دقيقة»، و«حالة حوار»، إضافة إلى الصدام الحاصل بين الصحف المصرية، وتأجيج الصراع في ما بينها بعد قضية حبس صحافيي جرائد مستقلّة، كان طبيعياً أن يدخل الإعلام الحكومي والمحطات الخاصة بثقلها إلى الحلبة ويساهم في نقل المعركة إلى خارج البيت الصحافي.
من جهتها، اعتبرت الحكومة مكرم محمد أحمد مرشحاً قادراً على الفوز، وخصوصاً أنّ منافسه رجائي الميرغني، عانى كثيراً من انتقادات طالت «صوته المنخفض»... وقال كثيرون: «نعم، نريد نقيباً محترماً. إنما عليه أن يكون صاحب مواقف حازمة وجريئة أيضاً».
وعلى رغم العثرات التي واجهت مكرم في حملته الانتخابية، وقد وصلت حدّ اتهامه بتشجيع التطبيع مع إسرائيل، فإن المساندة الإعلامية الحكومية، أتت بثمارها ونفضت عنه غبار كل الاتهامات. وهنا، بدأت اللعبة التلفزيونية: جميع رموز تيار الاستقلال في الانتخابات، لم يجدوا الطريق مفتوحاً أمام «البيت بيتك» و«حالة حوار»، وغيرها من برامج التلفزيون الرسمي التي استضافت مكرم محمد أحمد. علماً بأن هذا الأخير أطلّ مع محمود سعد في برنامج «البيت بيتك»، بعد يوم واحد فقط من إعلانه تقديم منحة إضافية لكل صحافي (200 جنيه)، بالاتفاق مع رئيس الوزراء. وهكذا اتضح المشهد: يحصل المرشح المقرّب من الدولة على منحة مالية، ثم يظهر على التلفزيون ليدافع عنها ويؤكد أنها ليست «رشوة انتخابية».
ولم يكن مراسلو التلفزيون المصري الذين انتشروا يوم الانتخابات في حاجة إلى مَن يحذّرهم من استضافة مرشحي الإخوان الأربعة، أو زملائهم المعروفين بانتماءاتهم الناصرية واليسارية. ويكفي أن مراسل نشرة الأخبار الرئيسية في القناة الأولى، لم يجد تعليقاً ليضيفه ـــــ بعد إعلان النتائج ـــــ سوى الحديث عن فوضى المنشورات الدعائية. وهي قضية ليست على قدر من الأهمية، وخصوصاً أن الجمهور كان ينتظر مزيداً من المعلومات والتفاصيل لا آراء شخصية عن الدعاية الانتخابية.
من جهتها، سجّلت المحطات الإخبارية مثل «العربية» و«الجزيرة» حضوراً جيداً... علماً بأن «الجزيرة» وفّرت تغطية أوسع للحدث، وخصوصاً أن مدير مكتبها في القاهرة حسين عبد الغني، هو عضو في النقابة ويعرف الكثير عن كواليس القضية.
وما حدث في الفضائيات تكرر في الصحف: للمرة الأولى تنشر صحف حكومية، مقالات لكبار الكتاب يعلنون تأييدهم لمكرم محمد أحمد، بعدما كانت القاعدة هي عدم الانحياز على صفحات الجرائد لأي مرشح. لكن هذه المقالات جاءت ردّ فعل على سخونة الهجوم على النقيب الجديد من صحف معارضة، حذّرت الصحافيين من مغبّة عودة النقابة إلى أحضان الحكومة.

(راجع وقائع الانتخابات )