القاهرة ــ محمد شعير
لم يكن هناك جديد في المؤتمر الذي افتتحه أول من أمس «المجلس الأعلى للثقافة» في القاهرة عن أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم في ذكرى مرور 75 عاماً على رحيلهما. ولعلّ الاستثناء الوحيد كان الوثيقة التي كشف عنها الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم في دراسته النقدية، وهي وثيقة بقلم عباس محمود العقاد أحد أبرز أعداء شوقي وناقده الأكبر في المعركة التي اشتهرت باسم «معركة الديوان». الوثيقة التي كتبها العقاد قبل خمس سنوات من رحيله (1964)، تحتوي على مراجعة كاملة لموقفه من أمير الشعراء، إذ يرى أنه «علَم للمدرسة التي انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية إلى دور التصرف والابتكار. فاجتمعت عنده جملة المزايا والخصائص التي تفرقت في شعراء عصره. ولم توجد مزية ولا خاصة قطّ في شاعر من شعراء ذلك العصر إلا وكان لها نظير في شعر شوقي». الوثيقة التي يُكشف عنها للمرة الأولى، تُظهر المسافة الكبيرة بين رؤية الشاب العقاد الذي كان يرى في شوقي «شاعر القصر» لا «شاعر الشعب»، ويعتبر شعره «قيمة لسانية» لا قيمة «إنسانية»، وقصيدته «قطعاً متناثرة» لا «بنية حية». وهو أقسى هجوم تعرض له شوقي على الإطلاق.
أمّا الدراسات الأخرى التي قُدّمت إلى المؤتمر، فلم تضف أي جديد. وربما عاد ذلك الى الخلافات التي نشأت بين اللجنة المنظمة و«المجلس الأعلى للثقافة» على الاحتفالية التي استأثر مقرر لجنة الشعر أحمد عبد المعطي حجازي بتنظيمها، رافضاً أي مساهمة من المجلس بهياكله التنظيمية. من هنا، غابت عن الاحتفالية أسماء مثل جابر عصفور الذي خصص أمس مقاله الأسبوعي في صحيفة «الأهرام» لشعر شوقي.
ومن أبرز مفارقات الاحتفالية التي تختتم أعمالها غداً، غياب أي دراسة مستقلة عن شاعر النيل حافظ إبراهيم، باستثناء ثلاث مداخلات قارنت بين الشاعرين المحتفى بهما، كأنّ الحياة النقدية خلت من متخصصين في شعر حافظ، أو أنّه الاستعجال في الانتهاء من تحضيرات المؤتمر الذي أعلن عن إقامته منذ أكثر من عام!
قد تكون الحسنة الوحيدة للمؤتمر تكمن في المجلدات التسعة التى صدرت عنه، وتضم مجلدين لأشعار شوقي، وآخر لمسرحه، وثالثاً لنثره، ومجلداً لأشعار حافظ، وآخر لنثره.. هذا إضافةً إلى ثلاثة مجلدات تحمل عنوان «شوقي وحافظ في مرآة النقد» ويحوي ما كتبه النقاد عن أعمالهما. ولعلّ نشر هذه الأعمال سيمثّل فرصة للباحثين لإعادة قراءة الشاعرين وفق معطيات العصر، بدلاً من استغلال المناسبة لمجرد الاحتفال الخالي من المعنى والجديد. علماً أنّ الاحتفال بالشاعرين سيمتد إلى مكتبة الاسكندرية خلال مؤتمر يشرف على تنظيمه جابر عصفور. وقد تردّد في الوسط الثقافي أنّ المؤتمر المنوي إقامته هو بمثابة رد على «احتفالية حجازي»، كاشفاً عمق الخلاف بين حجازي وعصفور. أمّا «اتحاد الكتّاب المصريين» فسيقيم هو الآخر ندوةً ستشارك فيها الأسماء نفسها التي شاركت في مؤتمر حجازي. والغريب أنّه سيتضمن الفعّاليّات نفسها. ما يطرح سؤالاً عن جدوى هذه الاحتفاليات التي لا تقدم جديداً بل تعكس صراعاً بين أقطاب الثقافة المصرية!