يبدو معرض جبر علوان (1948) مثل تحيّات متبادلة بين اللوحات ذاتها، وهو في الوقت نفسه تحية لفن وأسلوبية هذا الرسام العراقي الذي تحولت أعماله إلى نوع من ماركة مسجلة باسمه. لم يخترع علوان لوحته من لا شيء طبعاً، ولكننا ما أن نرى خفقان اللون ومكابدات الشخوص تحت ضربات الوحشة والوحدة، وارتماءها في جحيم خاص بكل واحد منها، حتى نحزر إمضاء علوان أسفل هذه العوالم والعناصر. وأحياناً يقودنا الإمضاء نفسه إلى العثور عما يلائمه ويليق به من عناصر وموضوعات وتقنيات وخلطات لونية.
يضم المعرض الذي تحتضنه «غاليري عايدة شرفان» مجموعة من الأعمال التي شاهدنا بعضها في معارض سابقة. إنها طبعات منقحة ومزيدة على عناوين المرأة والعزلة ومشهديات المقهى، يستثمر فيها جبر علوان مخزونه العراقي والشرقي ويمزجه بما جرى ويجري في العراق وفي المنطقة.
لا نجد النتائج المباشرة للحرب والدمار طبعاً، إنما نجد الإنسان كبؤرة بصرية وبطل تشخيصي للتعبيرات اللونية المتماوجة والمتلاطمة في اللوحات. كأن علوان يُبعد شخوصه عن واجهة الحدث، أو يستفرد بهم في عزلاتهم وخوفهم ويأسهم.

إنهم وحيدون ويائسون في المقهى أيضاً، وكذلك هي حال عازفي البيانو والأوكورديون والكمان، وكذلك هنّ النساء في حالات الوحدة والإغواء والانزواء. أحياناً تبدو كل هذه التشخيصات القوية مجرد حِيَلٍ تشكيلية للوصول باللوحة إلى حالة من الصفاء الذهني والروحي.

طبعات منقحة ومزيدة على عناوين المرأة والعزلة ومشهديات المقهى
الأجساد تصبح نوعاً من التمهيدات والعتبات إلى الحالة الأعمق التي تتألف داخل اللوحة. يريد جبر علوان أن يرسم أفكار شخوصه وأمزجتهم أكثر من رغبته في رسم أجسادهم ووضعياتهم المرئية، ولكنه «مضطر» لاستخراج تلك الأفكار والأمزجة من حضورهم الجسدي، بينما تساعده الطريقة التي يحضر بها الجسد في تعزيز المزاج المستهدف. وهكذا، فإن الوحدة ليست في وضع رجل أو امرأة منفردة في لوحة، بل هي الانطباعات التي ترسلها حركة الجسد والتواءاته، وكذلك طبيعة الألوان وحركة يد الرسام في جعلها عنيفة وعريضة أو خفيفة وسطحية.
أعمال جبر علوان هي دوماً «حالات» بحسب عنوان معرضه الأكبر الذي استضافه «مركز بيروت للمعارض» العام الماضي. حالاتٌ تبدو مشغولة بالتعبيرات التشخيصية، ولكنها منشغلة في الوقت نفسه بصفاء التجريد وغنائياته الشجية والمؤلمة.

* معرض جبر علوان: حتى 18 نيسان (أبريل) ــ «غاليري عايدة شرفان» (ساحة انطلياس) ـ للاستعلام: 04/444111