باسم الحكيم
كلا، الكاتب الشعبي لم يعتزل. الظروف السياسيّة أجبرته على الابتعاد موقتاً عن الأضواء، ومراجعة حساباته. قريباً تبدأ LBC عرض مسلسله «الطاغية». وعلى الطريق، عمل بوليسي يحاكي قصص أغاتا كريستي... على الطريقة اللبنانيّة!

يشتاق الكاتب مروان نجّار إلى «لمّ شمل العائلة أمام الشاشة من جديد». حرب تمّوز، وما تلاها من أحداث داخليّة، أبعدته قسراً عن الساحة الدرامية لأكثر من عام ونصف العام. لكنه اليوم يعود إلى سابق عهده: إذ تبدأ LBC مساء الأحد 9 كانون الأوّل (ديسمبر) المقبل، عرض أولى حلقات «الطاغية» الذي أنهت مخرجته كارن دفوني تصويره، قبيل اغتيال الرئيس الحريري، وقبل كتابة نجّار مسلسل «حلم آذار». في المقابل، ينتظر انتهاء عملية ميكساج خماسية «وحيدة» من مجموعة «مفقودين»، ثم الاتفاق مع إحدى القنوات المحليّة على عرضها مع بقية أجزاء المجموعة (راجع البرواز). ويكشف نجّار: «أحلم منذ زمن، بنسخة دراميّة بوليسيّة تناسب أذواقنا ومزاجنا. مثل أعمال الأميركي إدغار آلن بو التي نجحت في ابتكار قصة الاستنتاج البوليسي، قبل أن يقوم كثيرون بتطويرها في ما بعد، وصولاً إلى أغاتا كريستي والروائي البلجيكي جورج سيمونون. نتابع تفاعلات الأدب البوليسي في المجتمعات الغربيّة ونتابع تفاعلاتها الحضاريّة، وتداخلها الثقافي والفكري. وهكذا حين يحاول المجرم أن يستخدم وعيه ليخفي شخصيته بعد ارتكاب جريمته، يأتي لا وعيه لينفض السيجارة بلا انتباه، فيوصلنا إليه... وهذا ما سمّاه بروتون «الهذيان الموحي»».
ليست هذه تجربة نجّار الأولى مع الدراما البوليسيّة، «سبق لي تقديم «مريانا» مع كارول الحاج، وكذلك في أول عمل كتبته في حياتي، «ديالا» مع هند أبي اللمع وأنطوان كرباج وأحمد الزين. كذلك لعبنا مع الجمهور لعبة البحث عن المجرم في «شوية تفاصيل» مع سمارة نهرا. وكان هدفنا استخدام الحبكة البوليسيّة وسيلة حتى يتعلق المشاهد بالعمل. لكن التشويق ليس الهدف الوحيد من هذه الدراما. هناك أبعاد إنسانيّة أخرى، فمتعة الاستنتاج البوليسي توصلنا إلى مسائل مهمّة تعني كل إنسان، وتضيء على علاقاته العائليّة والاجتماعيّة والخلقيّة والروحانيّة».
ويذهب نجّار أبعد من ذلك: «لم أرَ هذا النمط من الكتابة إطلاقاً. هذه قصص طموحة على صعيد العناق بين الأدب البوليسي الممتع والإنساني المشوّق، ومن أسياده في العالم جورج سيمونون الذي أتأثّر به». ويستدرك «لكن قصصي ليست مأخوذة عنه».
حينما يذكر اسم مروان نجار، تحضر فوراً في بال المشاهد، سلسلة «طالبين القرب» التي خرّجت جيلاً من الممثلين. ولم يكن للأعمال التالية، خصوصاً «صارت معي» المستمدّ من قصص حقيقية، الوقع ذاته. فما الحكاية؟ يجيب: «ببساطة، «صارت معي» لم يكن له هذا الهدف». ويوضح: «أعلنتُ في شباط (فبراير) 1997 بحضور المخرج سيمون أسمر ولادة هذه المجموعة. آنذاك راهنت على فكرة محددة: كما يقدّم سيمون أسمر منبراً لاكتشاف مواهب الرقص والغناء، كذلك سيكون «طالبين القرب» بالنسبة إلى خريجي معاهد التمثيل في لبنان... أما مع «صارت معي»، فلم يكن الهدف إبراز موهبة الممثل، إنما إعطاء القصص الحقيقيّة حقّها، وإيصال صوت من ائتمننا عليها».
ويستشهد بحلقة أقدم فيها شاب متحزبٌ على قتل خاله: «عندما ارتدى زياد نجار (ابن الكاتب) اللباس العسكري، وقتل خاله، تعاطف الناس مع القصّة لأن زياد أبدع في تجسيد الدور. ومع ذلك، لم يتّصل به أحد من المشاهدين للتعبير عن إعجابه بالدور. إنما تلقيتُ اتصالاً من مستشفى «دير الصليب» للأمراض العصبية، وتمنّوا عليّ عدم تكرار ذكر الاسم أو القصة. وذلك لأن الناس احتشدوا أمام المستشفى للتعرّف إلى هذا الشاب الذي يتابع علاجه هناك. وبهذا، يكون «صارت معي» قدم أصحاب القضايا الحقيقيين».
لم يتفق نجّار على عرض مجموعة «مفقودين» على LBC التي تبنت طيلة السنوات الماضية فكرته بضرورة إدراج الدراما اللبنانيّة في برمجتها، علماً أنه اتفّق معها سابقاً على عدد من الساعات الدراميّة، أجّلها عدوان تمّوز. وعند عودة القناة إلى مزاولة نشاطها في إنتاج الدراما، وقعت عقداً مع صديقه الكاتب شكري أنيس فاخوري على حلقات جديدة من «حكايات»، فيما لم تجدد تعاونها حتى اللحظة مع نجّار. فماذا يقول عن ذلك؟
يغازل مروان المؤسّسة التي رعت أعماله منذ عام 1997، وحتى الأمس القريب، قائلاً: «تعاوني مع «المؤسسة اللبنانية للإرسال» ليس قانونياً أو خطياً بل معنوياً. والعقد الذي أوّقعه معهم، يعني دفعهم العربون لأبدأ العمل». ويوضح: «لكن طبيعة العمل مع المحطة تبدّلت بسبب الأحداث السياسيّة الحاليّة. وبعدما كانوا يخصصون فريقاً تقنيّاً لتنفيذ الدراما، أعيد توزيع مهمات هذا الفريق، لأن التطورات منذ حرب تموز فرضت ذلك، وباتوا يطلبون أن يؤلّف المتعامل معهم، فريقه التقني بنفسه».
وحين تسأله عن اتهام الدراما اللبنانيّة بأنها بعيدة عن الواقع والمجتمع، يرى نفسه غير معنيّ بهذا الاتهام: «يكفيني أن أقدّم حلقة من «صارت معي»، أسهمت إلى حدّ ما في تغيير قانون في المجلس النيابي، فمنعت بيع الأدوية إلاّ بوصفة طبيب. كذلك الأمر بالنسبة إلى حلقة تحدّثت عن أطفال الشوارع، وأطلّت فيها اللبنانيّة الأولى منى الهرواي». ويشير إلى أن «الدراما ليست مرآة مسطحة، وما كتبه شكسبير عن شوارع فيرونا في «روميو وجولييت»، ينطبق على عصره السياسي الاجتماعي في إنكلترا، مثلما ينطبق على الحرب اللبنانيّة في عام 1975... لا شيء ينزل بالمظلة، إلاّ حين تكون القلوب مغلقة والعقول محدودة».
وماذا عن رحلة نجّار مع الأعمال الرمضانية التي قدّم منها ثلاثة مسلسلات هي: «تجارة عن تراضي»، «مواسم خير» و«حصاد المواسم». يتوقف عند مشروع درامي يعمل عليه منذ 14 عاماً، ويحلم بأن يعيد رمضان إلى معانيه بصفته شهراً فضيلاً، لافتاً إلى أن «لدي أفكاراً إسلاميّة معاصرة مميزة، وأقرع جميع الأبواب لتنفيذها، لأنني من المتمرّدين». وإذا كان ينتقد الأعمال الدراميّة التي تعرض في رمضان، لكونها لا تحمل معاني الشهر، فلا يمنعه ذلك من تسجيل إعجابه بمسلسل «الملك فاروق»، ويكتفي بالتعليق: «أغار حقاً من لميس جابر».