محمد عبد الرحمن
لن تستفرد الفضائيات بعد اليوم بالمشاهد العربي، أو تفرض عليه خياراتها. قريباً يتحوّل هذا الأخير قوّة ضاغطة، بعدما وجد وسيلة فعالة للتعبير عن رأيه النقدي في سياسات البرمجة على اختلافها! لقد بدأت المواجهة فعلاً... على الإنترنت!

قبل عشرية كاملة، كان العرب يشكون من افتقار المشهد الإعلامي عندنا إلى فضائيات تُصدِّر ثقافتنا، وتحاكي همومنا وتحذف صور «التخلّف» التي يُلصقها الغرب بنا. وقبل عصر الفضائيات، كان عرض محطة أرضية لبرنامج لا يُعجب الجمهور، يثير جدلاً واسع النطاق. فتلك المحطات، على قلّتها، تابعة للدولة، أي للشعب الذي يملك على الأقل حقّ الاعتراض.
لكنّ الوضع تغيّر اليوم: عدد الفضائيات العربية أصبح بالمئات، معظمها تابعٌ لرجال أعمال، ولا يخضع لرقيب يقوّم ما تقدمه على الهواء، رافعاً شعار «اللي مش عاجبو يغيّر المحطة». مع ذلك، وجد عدد من المهتمين طريقاً للاعتراض على ما لا يعجبهم: إنّها الإنترنت حيث تظهر كل فترة حملات تدعو إلى مقاطعة هذه الفضائية أو تلك.
وإذا كانت المسلسلات الدرامية قد أنعشت صفحات Facebook خلال رمضان، فالحملات التي تدعو إلى مقاطعة الفضائيات، تنتشر بشكل ملحوظ على موقع التعارف الأشهر في الآونة الأخيرة. ونذكر هنا حملة بدأت تثير انتباه الوسط الصحافي المصري، وهي تستهدف قنوات «ميلودي» التي نجحت في إثارة الجدل منذ انطلاقها قبل أربع سنوات تقريباً. بل كلما زادت الانتقادات ضدّها، ارتفع عدد محطاتها حتى بلغ أخيراً خمس محطات.
إلا أنّ الحملة الأخيرة حملت شعاراً عاطفياً وسياسياً في آن، إذ اختار مؤسس المجموعة الغاضبة عنواناً لحملته عبارة: «عيب يا حفيد عبد الناصر المُتاجرة بلحم اللبنانيات على ميلودي». ويقول جميل جمال، مؤسس المجموعة، إن العبارة وردت في حديث لإعلامي لبناني على محطة خليجية، كان ينتقد خلالها صاحب «ميلودي» جمال أشرف مروان، حفيد عبد الناصر.
وإذا كانت المجموعة تعترف بأنّ الانتقادات قد لا تمثّل رادعاً أمام تجاوزات «ميلودي»، فهي تؤكد في المقابل أن حملة «فايس بوك» تهدف إلى المطالبة بوضع قوانين صارمة تجاه المحطة، وخصوصاً حملتها الترويجية «ميلودي تتحدى الملل» وزيادة جرعة مشاهد العري في كليباتها. وترى أن استمرار بثّ هذه الدعايات، يُعدّ تحدّياً للجمهور الذي اعترض سابقاً على إعلان «ضرب المدرسين» الذي ذيّلته «ميلودي» بعبارة «معاً نتحدّى الدروس الخصوصية». وبرأي جمال أنّ ما تقدّمه المحطة قد يرتبط بشكل أو بآخر بزيادة معدلات التحرش والاغتصاب في المجتمع المصري.
لكن هل يؤدي غضب مجموعته إلى تغيير سياسة «ميلودي»؟ الإجابة حتى الآن هي لا. لقد أكّدت التجارب السابقة أن دعوات المقاطعة ظلّت محصورة في إطار الإنترنت، ولم تنزل، إلا في ما ندر، إلى الشارع. هكذا، قد تختفي الضجة كما بدأت، إلّا إذا عمل نائب في البرلمان على تبنيها. وهنا، قد تختلف الأمور كثيراً: قبل أشهر مثلاً، عرضت محطة otv المصرية فيلم American pie من دون حذف المشاهد الساخنة. حينئذ، حرّك نواب، على خلاف مع مالك المحطة نجيب ساويرس، طلبات إحاطة، يشدّدون فيها على دور وزارة الإعلام وشركة «نايل سات» في مراقبة المحطات المصرية تحديداً. وحتى الآن لم تكرر المحطة التجربة، لكن الصدام متوقع عندما يطلق ساويرس محطتي الأفلام والأخبار مطلع العام المقبل. ومجلس الشعب أدّى دوراً بارزاً أيضاً، قبل عامين تقريباً. حدث ذلك حين أطلق موقع «حماسنا» الإلكتروني حملة لمكافحة العري في الساحة الفنية، فأحدث دوياً إعلامياً بقي مستمراً لأشهر. ما دفع بمحمد السيد، مؤسس الموقع، إلى تجهيز ملفات عن مخالفات المحطات والفنانين الذين هاجموا الموقع، وعرضها على نواب في مجلس الشعب (معظمهم من جماعة الإخوان المسلمين)، بهدف الضغط على الجهات المعنية، والحدّ من تلك الظاهرة. وعلى الموقع، نجد اليوم قوائم بيضاء وسوداء لفنانين ضدّ العري أو معه، إضافة إلى قائمة بعنوان «محطة شريرة»، تضم كل قنوات الأغاني والأفلام تقريباً. وكانت «دريم» قد خرجت من اللائحة قبل عام فقط، عندما أرسلت إلى الموقع «وعداً» بعدم بثّ كليبات فاضحة، ما اعتبرته الحملة «انتصاراً، لم يتحقق بعد مع قنوات «ميلودي» و«روتانا» و«مزيكا».
على «فايس بوك» أيضاً، برزت مجموعة غريبة، أعضاؤها من العرب المقيمين في أوروبا. هؤلاء يطالبون بمقاطعة قناة «الجزيرة» بحجّة أنها «تشوّه صورة المسلمين في أوروبا بسبب بثها لبرامج تتناول تنامي ظاهرة العنف بين الشباب المسلم في أوروبا». لكن هذه الدعوة، قوبلت بحملة مضادة، أكدت على أهمية «الجزيرة» التي «أخرجت الشارع العربي من حصاره الإعلامي، فعبّرت عن مزاجه، وأثارت حفيظة الإدارة الأميركيّة».