علي سمودي
ما زال البحث مستمراً عن مصطفى، أحد أبطال مسلسل «الاجتياح» الذي عرض في رمضان على فضائية LBC ويتناول الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002. هذه الشخصية التي قدّمها كاتب السيناريو رياض سيف، أثارت الكثير من التساؤلات عند متابعي المسلسل في مخيم جنين: فاسم مصطفى لم يُذكر في أيّ من المعارك، سواء بين الشهداء أو الأحياء من المعتقلين أو الجرحى أو حتى من عاشوا تفاصيل تلك المجزرة. وإذا كان يرمز إلى شخصية عاشت معركة نيسان وقاومت فيها، فلماذا ارتُبط بعلاقة مع الإسرائيلية يائيل؟ ولماذا قُدّمت هذه العلاقة بطريقة يصعب استعياب رسالتها، في مسلسل يضيء على مرحلة هامة من الانتفاضة؟ إن الأحاسيس المفتعلة والمركبة لم تسهم في إبراز البعد الإنساني للمناضل الفلسطيني، فعلاقة كهذه يصعب أن تولد في مساحة ترزح تحت نير العدوان والإبادة والمجازر. حتى في تجربة زكريا الزبيدي مع الإسرائيلية تالي فحيما، كانت القضية تختلف في أبعادها وتفاصيلها عن قصة مصطفى ويائيل.
في تلك المرحلة التي عشتُ تفاصيلها وواكبتها بوصفي صحافياً من قلب الحدث، كان شبه مستحيل أن تنسج علاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فكيف بعلاقة عاطفية كالتي ربطت مصطفى بيائيل؟ وخصوصاً أنّ هذه الأخيرة نجحت في التسلل إلى أجهزة الكمبيوتر الإسرائيلية، وزوّدت مصطفى والمقاومين بالمعلومات! وإذا كان الحب يتجاوز كل الحدود، فوصول يائيل، في ظلّ الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المعقدّة إلى الأراضي الفلسطينية المشتعلة، وخصوصاً جنين ومخيّمها، بدا غير منطقي. وكلّنا يتذكر أن شارون أطلق على المخيم اسم «عش الدبابير» و«عاصمة الانتحاريين»، فارضاً عليه حصاراً مشدداً، وقد أغلقه قبل إغلاق باقي المناطق. وإذا كان وصول الأجانب إلى المخيم، شبه مستحيل، فكيف بإسرائيلية تتحرك بسهولة، ومن دون عوائق، لتصل إلى «عشّ الدبابير»؟
ورغم الجهد الواضح الذي بذله المخرج شوقي الماجري مع فريق العمل لتقديم صورة واقعية عن مرحلة هامة وحساسة من تاريخ المقاومة الفلسطينية، فإن هذه العلاقة الغرامية تستحقّ التوقف عندها لدراسة أبعادها. صحيحٌ أنّ مسلسل «الاجتياح» نجح في تقديم صورة مميزة للمعارك التي عاشها المخيم، لكن النهاية التي وصل إليها مصطفى في الخروج من الحصار، ووصول يائيل إليه ثم نقله إلى إسرائيل، تفتح النقاش أيضاً حول اختيار الكاتب لهذه النهاية، فما هي المبررات لإيصال مصطفى إلى حيفا، رغم الحواجز والإغلاق والأمن الإسرائيلي المشدد؟ وإذا كان الهدف هو مدّ جسور السلام وانتصار الحبّ على الحرب، فإن الطريقة التي عولج فيها العمل لم تكن موفقة، بل على العكس بدت مُربكة ومركبة.
أضف إلى ذلك أن التجسيد المتقن للشخصيات، لم ينقذ المسلسل من الوقوع في ثغرة التركيز على بعض الأسماء، وانتقاص أدوار كثيرين ممن شاركوا في المعركة. هكذا غابت عناصر محورية، لتفقد المعركة عدداً كبيراً من صورها الحقيقية. إحدى الصور المؤلمة والسلبية في المسلسل، هي حكاية أم فرح التي قتلت برصاص الاحتلال، إثر مشادّة غير مقنعة في المنزل، وخروجها إلى الشارع غاضبة. كل الوقائع تؤكد أن الفلسطينيين في مواجهة حرب السور الواقي، عاشوا أسرةً واحدة. لكن الكاتب أوصل أم فرح إلى مواجهة اصحاب المنزل المحاصر، لتخرج من المنزل ـــــ من دون أن يمنعها أحد ـــــ وتموت برصاص المحتل. صور أخرى حملت الكثير من المغالطات: من الاجتماعات المتكررة في غرفة العمليات ولقاء أبو جندل مع طوالبة وأبو حلوة، ثم سيارات الإسعاف في المخيم. وهذا المشهد ينافي الواقع حيث عمل جيش الاحتلال منذ اللحظات الأولى للهجوم، إلى عزل المخيم عن العالم ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إليه. كذلك بالنسبة إلى جنود الاحتلال، فطوال المعركة لم تطأ قدم أي جندي إسرائيلي أرض المخيم. كانوا يتنقلون بالدبابات، لا بالدوريات، وهذه حقيقة هامة كان يجب أن تُسجَّل لأهالي المخيم ومقاومتهم. لا بد من التوقف عند المعطيات المذكورة أعلاه، كي تكتمل الصورة ونراعيها مستقبلاً... فالمعركة لم تنتهِ بعد، وهناك الكثير من الأسرار والقصص التي تساعد على تقديم أعمال درامية جادة، تؤرخ لمرحلة أساسية في مسار النضال الفلسطيني.