بشير مفتي
ما إن أعلن الطاهر وطار نيّته الكتابة عن موضوع علاقة الشاعر بالسلطة في الجزائر، حتى راح الشعراء ينتظرون روايته الجديدة التي يبدو أنّها ستخرج عن سلسلته الروائية الأخيرة «الولي الطاهر يعود لمقامه الزكي» و«الولي الطاهر يرفع يديه للسماء». وعلى رغم أنّ وطار حدّد فئة الشعراء الذين سيقصدهم في عمله، أي أولئك الذين تبرعت لهم السلطة ببعض المناصب الثقافية والإعلامية منذ التسعينيات حتى اليوم، فإنّ حساسية الموضوع جعلته فجأة يتحول إلى منحى آخر. هكذا جعل عمله خطاباً موجّهاً ضد الشعراء أنفسهم، وضد مَن يتصدّرون الساحة لا بشِعرهم بل بمناصبهم الجديدة التي جعلتهم، كما يقول وطار، «حرساً للنظام السياسي» يدافعون عنه بشراسة ولؤم فصاروا جدار مواجهة أمام أي عدوان خارجي من مثقفي المعارضة.
بالنسبة إلى وطار، أصبح هؤلاء يدافعون حتى عن الرقابة التي قد تفرضها وزارة الثقافة على الأعمال الأدبية، مشيراً في هذا السياق إلى المعركة التي وقعت منذ أكثر من سنة حول «صندوق دعم الإبداع الأدبي» الذي ترأسته الشاعرة ربيعة جلطي وطرحت فيه معايير جديدة لإدارته فطلبت من الجمعيات الثقافية التي تريد أن يدعم الصندوق أعمالها المقترحة أن تخضع للجنة قراءة. يومها، انقسم الكتّاب والمثقفون بين معسكرين، الأول اعتبر هذه المعايير فنّيةً، والثاني رأى أنّ اللجنة تفرض رقابةً على حرية الإبداع وتمسّ بصدقية لجان القراءة في الجمعيات. وفي المعسكر الثاني، وقف الطاهر وطار وانتهت المعركة بانتصار وطار نفسه، إذ سحب البساط من الشاعرة جلطي وتخلّت عنها وزيرة الثقافة لتقدّم استقالتها لاحقاً.
لكن يبدو أنّ الطاهر وطار لم ينسَ تلك المعركة ولا ما كتبه الكثير من الشعراء الذين يعملون في مناصب مركزية في وزارة الثقافة وساندوا ربيعة جلطي في هذه النقطة بالذات، ولهذا جاءت روايته «لتفضح هؤلاء الذين بدل أن يدافعوا عن الثقافة وحرية الإبداع، دافعوا عن مصالحهم ومصالح المؤسسة الرسمية». رواية الطاهر وطار الأخيرة لم تصدر بعد، لكنّ نبرتها العدائية تظهر جلياً من العنوان «قصيدة تذلل». ويبدو أنّ وطار استطاع فعلاً استفزاز الشعراء الذين يحتلّون مناصب رسمية بينهم عز الدين ميهوبي مدير الإذاعة الوطنية الجزائرية. واللافت أنّ هذا الأخير كان مناصراً لوطار في معركته ضد ربيعة جلطي، لكنّ الأمر اختلف اليوم بعدما تبوّأ منصباً رسمياً فصار بدوره عرضةً لسهام وطار التي لا تخطئ مقصدها عندما تصوّب بعناية كبيرة. ولم يصرح عز الدين بأي شيء، لكنّه أعلن فجأة أنّ الإذاعة الوطنية أعلنت جائزة جديدة ستمنحها كل عام لشاعر جزائري، كأنّه بذلك يردّ ردّاً غير مباشر على وطار في هذه المعركة الخفية بينهما.
عندما تقول لوطار إنّ المدح غرض من أغراض الشعر العربي القديم، وإن هناك تراثاً شعرياً متنوعاً وغنياً في المدح، وإن أكبر شعراء العربية هو المتنبي، وقد كانت له صولات وجولات في التذلل والمدح، يردّ عليك مبتسماً: «المتنبي شيء آخر. الحُكام عرفوا أنه شاعر حقيقي، لهذا رفضوا أن يعطوه المُلك حتى لا يكسب منزلتين «الشاعر والمُلك» ويتفوّق بالتالي على السلطان». وعندما تضيف أنّ وطّار كان هو أيضاً مديراً لمؤسسة رسمية كبيرة اسمها الإذاعة الوطنية ذات مرة، يرد عليك مبتسماً «تصور لقد طردوني منها بسرعة لأنهم أدركوا أنني شاعر حقيقي!».