strong> صباح أيوب
لماذا نُشاهد التلفزيون؟ سؤال لم يُطرح بعد في دول العالم الثالث «النامية» على مشاهدة الشاشة الصغيرة بشكل أساسي، والمتلقّية لكل أنواع «ذبذبات» المحطات الفضائية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. إلا أن السؤال نفسه يشغل حالياً بال دول كبرى ترى في التلفزيون «صناعة وتاريخاً وموقفاً وثقافة وسلاحاً أقوى من «النووي» الذي يهدد العالم بأسره»... هل ما زال حضور التلفزيون مرتبطاً بـ «التواصل» و«الإعلام» و«الترفيه» فقط؟ وهل بدأ الإنترنت يسحب البساط من تحت أقدام صندوق الفرجة؟ والأهم من كل ذلك، لماذا يُقبل الناس أصلاً على متابعة الشاشة الصغيرة؟
تبدأ طاولة البحث من بريطانيا حيث اجتمع أشهر منتجي التلفزيون ومدراء المحطات المحلية والعالمية، للإجابة على سؤال محدد: «لماذا التلفزيون موجود اليوم»؟ وقد نشرت صحيفة «غارديان» في عددها الصادر أمس، الأجوبة التي راوحت بين «الرضى» عما تقدمّه المحطات التلفزيونية، و«ضرورة» العمل على اللحاق بالتكنولوجيا العصرية. وقد اتّجه معظم صانعي الصورة الإنكليزية إلى التفاؤل بمستقبل التلفزيون، فيما راح بعضهم يصف هذه الفترة بـ«العصر الذهبي» للشاشة الصغيرة. «هل تعلمون فعلاً مدى أهمية وحساسية الشاشة التي تدخل إلى غرف الجلوس والنوم؟» سأل جاين ترانتر (BBC)، موضحاً: «نذكر هذا الأمر كلّما أردنا الإضاءة على أهمية التلفزيون، وتأثيره في المجتمع. لكننا، مديري البرامج ومنتجيها، علينا تحمّل المسؤولية، وجلب العالم للمشاهدين وإدخاله إلى حياتهم».
أما أرماندو أيانوتشي (معدّ ومقدّم برامج) وجاي هانت (من القناة البريطانية الخامسة) فوجدا الحلّ، عبر إدخال عنصر المفاجأة. كيف؟ بكل بساطة، «علينا تقديم ما يحرّك حياة المشاهد الرتيبة، حتى تصبح الشاشة حاجة ماسّة، وليس فقط وسيلة لاغتيال الوقت».
«أنا من جيل التلفزيون. في منزلنا لم يكن هناك مكتبة مليئة بالكتب، بل شاشة صغيرة تتوسط غرفة الجلوس. كنتُ من المتابعين بشغف لما تقدّمه، فاكتسبت كل ثقافتي من خلالها... علّمتني كيف أضحك ومتى أبكي». هكذا تحدّث أليكس غراهام (مدير شركة إنتاج)، مبدياً تفاؤله بمستقبل هذه الصناعة. إذ إنّ «الإنترنت يمكن أن يوفّر لي الأخبار ونتائج المبارات الرياضية، لكنه غير قادر على نقل أجواء المباراة وتفاصيل الحدث الحيّة». كما أنّ التطور التقني لهذه الآلة (من شاشات عملاقة وتقنية صورية عالية النقاء)، «كلّها تؤكّد أن التلفزيون ماضٍ في دوره الريادي النفسي، وتأثيره في المشاعر».
محورٌ أخير اتخذ حيّزاً مهماً من النقاش، وتمحور حول اعتبار التلفزيون «مرآة» للواقع والمجتمع، أو محرّك الحياة الاجتماعية بمختلف نواحيها؟ لخّص بعضهم هذه الجدلية عبر التأكيد أن الشاشة الصغيرة لم تعد تنقل التاريخ، بل العنصر المؤثر في كيفية فهمنا للتاريخ والأحداث، وطريقة حفظها في اللاوعي، ما يعني إسهامه في تكوين ثقافة المجتمع السائدة. كيف لا، وهو الذي يوفّر «الخبر والدراما والتسلية والتنوير والتأثير والتفاعل والتواصل والتسويق والجمع والتفريق... لمدى الحياة!»، كما علّق داون آيراي (مدير «غلوبل كونتنت» في «آي تي في»).