«أخيراً عادت السينما الجادّة إلى الشاشة»، هكذا علّّّق حضور العرض الخاص لأحدث أفلام يوسف شاهين «هي فوضى» أول من أمس، قبل بدء عرضه التجاري هذا المساء. شهدت الساعتان اللتان سبقتا عرض الفيلم، ازدحاماً شديداً من الصحافيين والإعلاميين والجمهور الذين حرصوا على مشاهدة الفيلم مع جميع أبطاله، إضافة إلى كتّاب ومخرجين ونجوم من أجيال فنية مختلفة. وقد اكتظّت ست قاعات، خصصتها الشركة المنتجة للعرض الأول، بالمتفرّجين، حتى إن كثيرين افترشوا أرض القاعات. فالمناسبة التي غاب عنها نجمها الأوّل لظروف صحية، لا تتكرر دائماً: شاهين في الواحدة والثمانين، يقدم شريطاً عن أسباب العنف والفوضى التي اجتاحت المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، ويربطها بالبطالة والفساد والقمع الأمني غير المبرر الذي نتج عنه خضوع شعبي. كان الجمهور متلهّفاً لمتابعة العمل الذي حظي بترحيب كبير في مهرجان «فينيسيا»، والذي يمثّل نقطة تحوّل في مسيرة أبطاله: خالد صالح ومنة شلبي ويوسف الشريف... وقد نجح شاهين في حبس أنفاس الحضور، وأجبرهم على التوحّد مع سكان حي شبرا الذين تجمعوا في لحظة واحدة، للانتقام من أمين الشرطة الظالم حاتم عبد الباسط، بعدما ضاقوا ذرعاً بانتهاكاته واستغلاله للنفوذ حتى أجبروه على الانتحار.
«لا يفعلها إلا شاهين»، أكّد السيناريست ناصر عبد الرحمن الذي توقّف عن الكتابة ست سنوات، قبل أن يتلقى اتصالاً من المخرج العالمي، ليؤكد له أنه اختار نص «هي فوضى». في تلك الفترة، لم تكن فضائح جرائم التعذيب قد طفت إلى السطح، ولولا انشغال الرأي العام بهذه القضية في الأشهر الأخيرة، لما صدّق بعضهم أن «قُبح السلطة» قد يصل إلى ما وصل إليه رجل الشرطة حاتم عبد الباسط (خالد صالح) الذي أتقن دوره إتقاناً لافتاًَ.
لكن المفارقة الأهم في مشوار هذا الفيلم، منذ كان فكرة حتى وصل إلى الجمهور أخيراً، أن الرقابة لم تعترض طريق العمل على الإطلاق. وقد اكتفت بإضافة علامة استفهام إلى عنوان الفيلم على الأفيشات، ليحمل تساؤلاً لا تأكيداً للواقع. ووافق شاهين على الشرط سريعاً، ولم يدخل في صداماته المعتادة مع الرقابة. ربما كان يعرف سلفاً أن الجمهور، وبينهم الرقيب، على يقين تام بأن القضية لا تحتاج إلى تساؤل: فالفوضى مستمرّة، حتى لو انتحر حاتم عبد الباسط!
فاروق»؟ يطر