صباح أيوب
أن تجد «المنجل والمطرقة» أو «النجمة السوفياتية» أو أحرف C.C.C.P التي تعني (الاتحاد السوفياتي بالروسية) مطبوعة في بعض المواقع التاريخية أو في الساحات العامة وعلى جدران المنازل القديمة في روسيا أمر طبيعي، لكن أن تصادف أجيالاً كاملة من الشباب الروس يعتمدونها «ماركةً» لثيابهم وقبّعاتهم أو حتى حقائبهم وأحذيتهم، فهو أمر مستغرب في روسيا. حيث كانت تلك الشعارات، لفترة طويلة من الزمن، ترمز إمّا إلى مقدّسات يجب احترامها وتمجيدها فقط في الأماكن المخصصة لها، وإما محرّمات وشعائر بالية تعيد بعض الروس إلى زمن لا يريدون استرجاع تفاصيله. لكنها اليوم موجودة وظاهرة، بطريقة مختلفة نعم، فهي تخطّت كونها شعارات وأشكالاً جامدة تاريخية لتُلطَّف وتصبح «ماركة» شبابية ملوّنة ومزخرفة أراد، من خلالها، بعض الشباب الروسي أن يستذكر «أمجاد الاتحاد السوفياتي» الذي لم يعايش فصوله، لكنه بلا شكّ يدري أنه يشكّل الجزء الأهم من تاريخه وامتداداً لحاضرهالموضة. لعلّها اليوم، تشكّل دليلاً آخر على ازدواجية حادّة يعيشها الشعب الروسي، وخاصة الفئة الشبابية منه، التي تتنازعها رغبة الدخول في العالم المعولم والانفتاح بشتى الطرق على ثقافات مختلفة أوروبية وأميركية، وحنين إلى ماضٍ تاريخي لم يعايشوه ولم يعد موجوداً إلا في بعض الشعارات والكتب، وحاضر ينهض ببلدهم بقبضة من حديد ومبادئ مدكوكة باحترام القيم الدينية والتاريخ والانتماء الوطني.
«أنا روسي، من الاتحاد السوفياتي السابق. هذا انتمائي. ومن هنا يأتي إلهامي في التصميم»، هكذا يشرح دينيس سيماكيف، أحد أشهر مصممي الأزياء الروس، لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، السبب الذي دفعه إلى نشر موضة تستخدم الشعارات السوفياتية أو رموزاً من حقبات تاريخ روسيا في الأزياء. سيماكيف، هو من «درّج» هذا النوع من الأزياء، وتصاميمه تشارك اليوم في أبرز العروض العالمية، وهو يؤكّد: «لست شيوعياً. تصاميمي تباع بآلاف الدولارات»! «أردت فقط أن أصنع أزياء روسية للشعب الروسي بعدما اندمج لسنوات في الموضة الغربية، أرى أنه حان الوقت اليوم ليتذكّر انتماءه الأصلي ويعود إلى الجذور». وخلال الأربع سنوات الماضية عمل سيماكيف على تصاميم مستوحات من محطات تاريخية روسية كحرب الشيشان مثلاً، ومقاطعة دورة موسكو للألعاب الأولمبية عام 1980، وملابس البحرية الروسية وغيرها... وفيما تُقبل الفئة الميسورة من الشباب على شراء ثياب سيماكيف، تلقى الموضة الجديدة في روسيا معارضة من بعض المواطنين الذين «لا يريدون إعادة إحياء رموز قمعية وديكتاتورية». أما بعض المحللين الاجتماعيين فيردّون سبب انتشار هذه الظاهرة إلى حاجة الروس اليوم إلى «طريقة خفيفة ومبسّطة لإثارة حنينهم وذكرياتهم الماضية». أما بعض المعارضين لهذه الظاهرة فيتّهمون سيماكيف بـ«المتاجرة بالشعارات الوطنية والتاريخ الروسي»، لكن، مع انتشار «الحمّى التسويقية» لكل الظواهر والشعارات الاجتماعية والسياسية التي أسقطت دمغة «القداسة» حتى عن بعض الرموز الثورية والدينية، يرى البعض أن من حقّ الشعب الروسي، قبل غيره، أن يعبّر عن عن تمسّكه بما أسهم هو في تكوين عظمته ونشره في العالم.