فاطمة داوود
في تشكيلات خريف وشتاء 2008 للرجال، تتقاطع جرأة
الأقمشة مع فخامة الطلّة: «دولتشيه آند غابانا» انطلقا من روما في رحلة مكوكية صوب الفضاء. أما في بيروت، فنجد نمر سعادة متمسّكاً بكلاسيكية الدونجوان الشرقي




قرر دومينيكو دولتشيه وستيفانو غابانا غزو الفضاء ليستشرفا النجوم والكواكب الشمسية، بهدف تقديم مجموعة أزياء رجالية رفيعة المستوى في مجموعتهما لشتاء 2008. وإذا بالتشكيلة الجديدة تضمّ تفاصيل وقصّات وأقمشة، لم تشهدها منصات عروض الـ«هوت كوتور» سابقاً. في هذا العرض، كان دولتشيه مخلصاً لمقولته الشهيرة: «التصميم أشبه بإخراج فيلم سينمائي. نتخيّل القصّة، ثم نصمم الملابس الملائمة لها». وهكذا جاء عنوان المجموعة A Man’s Odyssey، ليصبح المخرج الأميركي المخضرم ستانلي كوبريك، صاحب الفيلم الخيالي العلمي A Space Odyssey : 2001، بعد أربعين عاماً، بطل عرض الثنائي الإيطالي. في عام 1968، قدم الفيلم رؤيتين تمزجان بين الماضي السحيق، والمستقبل المجهول: أضاء القسم الأول من الشريط على ما لفظه تاريخ العنف وسيادة السلطة المطلقة على الأرض في المجتمعات الأولى. فيما قفز القسم الثاني إلى عام 2001، محذّراً من نتائج اجتياح وسائل الكومبيوتر وتقنية المعلومات والتكنولوجيا لمظاهر الحياة الاجتماعية والعملية. أما «دولتشيه آند غابانا» فقد نقلا الحضور، بقدرتهما المطواعة، إلى كوكب جديد، يكرّس أسلوبهما الثائر على التقليدية والكلاسيكية.
برزت في المجموعة البذلات الرسمية المؤلفة من سترات بقصات ضيقة عند الصدر والخصر وسراويل مستقيمة. كذلك ظهرت الجاكيتات القصيرة اللّماعة، ومعاطف وصلت حتى الركبة. كما أطلّ عارض، يحمل بيده محفظة كبيرة شبيهة بجزادين للنساء، وهو يرتدي سروالاً قصيراً إلى أعلى الركبة، ما يؤكد مرّة جديدة على تمسّك الثنائي بالتناقضات والتطرّف البالغ في رؤى الموضة المعاصرة. كذلك، تصدّر «الأوفر أول» (overall) قائمة التشكيلة، حتى بدا العارض كأنه يهمّ بالصعود إلى غرفة القيادة في صاروخ فضائي للقيام برحلة مكوكية. ولم يوفرا السراويل اللماعة ذات الخصر المنخفض مع ظهور جيوب على الجانبين، وذلك لإنقاذ موضة الـ«هيب هوب» عبر نقلها إلى مسارح العروض الراقية. وإذا بالتصاميم تبدو مناسبة تماماً لفنانين مثل فيفتي سنت وإيمينم ومساري وسنوب دوغ...
ولكي تتحقّق تصوّرات دولتشيه وغابانا، كان لا بدّ من تسخير أقمشة فريدة تفتقدها معظم دور الأزياء العالمية، مثل الـ«نايلون» المضادة للاحتراق، والجلود المطلية بالمعادن الثمينة، وجلد الحية والكشمير، والمخمل البسيط أو المخطط، والقطن والصوف والـ«دينيم» المطاطّة وأقمشة الـ«لاميه». كذلك تداخلت أنسجة الحرير مع المعادن النفيسة والأسلاك اللماعة. أما الألوان فجمعت البرونز والنحاس والذهب والفضة والزئبق وكبريت الحديد، إضافة إلى الأبيض والأسود والرمادي المشعّ والداكن ولون الكاميل (الجمل الصحراوي).
أسلوب «دولتشيه أند غابانا» تكرّس عبر عناصر محددة منذ أكثر من عشرين عاماً: الابتعاد عن اللون الأسود، والتركيز على الأقمشة الملوّنة، والمطبعة بجلد الحيوانات مثل النمور والفهود، وفرض قصّات ضيقة لقمصان وسراويل الرجال، وسيادة البذلات الرسمية ـــــ التوكسيدو ـــــ ذات السترات القصيرة، ما شكّل انقلاباً صارخاً على مبادئ الكلاسيكية في عالم الأزياء الرجالية.
لكن الجرأة والخروج عن التقاليد أسهما في شهرة الثنائي، فبلغت ميزانية المؤسسة حوالى 4 مليارات دولار أميركي، وامتدت الفروع إلى 90 محلاً حول العالم، بينها متجران في دبي وبيروت، افتتحا العام الماضي.
يذكر أن المصممين تعاونا معاً للمرة الأولى عام 1980. يومها، كان دومينيكو دولتشيه، ابن عائلة خياطين محترفين، في الثالثة والعشرين. أما ستيفانو غابانا فكان في التاسعة عشرة، يتابع دروساً في التصميم.
أبصرت مجموعتهما الأولى النور بإيحاء من عشقهما لعظمة إيطاليا في كونها دولة الموضة، فيما ارتكز إبداعهما على جمع أقصى التناقضات بين الحياة المرفّهة مقابل الواقع المظلم. وقد قوبلت المجموعة الأولى بانتقادات حادّة، ولم تلقَ النجاح المتوقع بسبب غرابتها الشديدة، على عكس المحاولة الثانية عام 1986 التي شكّلت محطة أساسية في مسيرتهما. وتابعا بنجاح منقطع النظير، مندفعين بعشق الفنانة مادونا لأسلوبهما المتطرّف حتى علّق ستيفانو: «أزياؤنا غريبة ومثيرة، وهذا سبب نجاحنا»، ما أدّى إلى اقتحام مجالات جديدة مع الملابس الداخليّة والسباحة، ثم مجموعة الرجال عام 1990. وتلاه العطر الأول عام 1992 ومجموعة الأطفال D ET G عام 1994، ثم المجموعة المنزليّة، وبعدها النظارات الشمسيّة عام 1995، إلى جانب الأحذية والجزادين ومجموعات الديكور الداخلية.




نمر سعادة دونجوان... زمانه

لا يخفي المصمم نمر سعادة إعجابه بدار «دولتشيه آند غابانا»، لكن شتّان بين أسلوبيهما في عالم الخياطة الراقية: الثنائي الإيطالي يسافر إلى الفضاء، فيما المصمم اللبناني يُبحر في أعماق الكلاسيكية الشرقية.
تشكيلة سعادة الرجالية الشتوية لعام 2008، كشفت عن رؤية ثابتة وواقعية، تأخذ في الاعتبار معايير ثقافة الموضة في الوطن العربي حيث الالتزام بالقصّات المستقيمة والألوان الداكنة هي سيدّة الموقف. فيما تتراوح الأقمشة بين الكشمير والقطن والمخمل والحرير. لا شيء يشذّ عن القواعد الصارمة سوى ظهور بعض القمصان بألوان الزهري والبنفسج وربطات العنق الملوّنة. هكذا، ضمّت التشكيلة بذلات مؤلفة إما من جاكيت متوسطة أو طويلة، ذات قصّات مستقيمة. وقد سخّرت لها ربطات عنق منوّعة قاربت أسلوب الموضة العالمي، وبرزت البذلات ذات الألوان الفاهية كالـ off-white في تصميمين مختلفين: ناشف ولمّاع.
يستوحي سعادة تصاميمه مما يحيط به وكلّ ما يقع عليه خلال أسفاره. كما يشكّل لقاؤه بالشخصيات الاجتماعية والفنية دعامة لتطوير مخيلته، لتولد بعدها تصاميم عصرية ملؤها روح الشباب والحيوية. إضافة إلى جموحه نحو غرابة غير قابلة للتنفيذ أحياناً. يردّ: «أنأى بنفسي عن الغرابة المتطرّفة بحكم خوضي لمجال الـ«هوت كوتور» دون سواه، وهذا ما يفعله أيضاً فالنتينو وبيروني، وزينيا. لذا تبرز أكثر الأقمشة المخملية والكشمير والصوف والقطن الشتوي، ولا تتمّ المجازفة بالحرائر مثلاً».
لكن، هل يخشى إدراج الألوان الجريئة في مجموعاته؟ يجيب: «نسخّر بعض الألوان المحدودة لتتناغم مع الإطلالة الشاملة. أحياناً، نرفق البذلات الرسمية ببعض القمصان حسب الاتجاه العام. واليوم، يطغى الفضي والذهبي والزهري مع كلاسيكية الأبيض والرمادي الفاتح والأسود». أما اتجاه الموضة فينحو إلى اللون البني الذي سيعود بقوّة ليتصدّر قائمة الألوان الشتوية المفضّلة، ويستمر الأسود رائداً في عالم الرجال إلى جانب تدرّجات الرمادي، فيما يتنوّع ظهور القماش المخمل بأنواعه المتعددّة كالمضلّع والناشف واللمّاع أيضاً.
ويفسّر سعادة عودة المعطف المتوسط الطول حتى الركبة إلى حاجة السوق العالمية لأزياء راقية تتميّز بالخفّة. إذ يستعيض به الرجل عن الجاكيت القصيرة، فيلعب دورين في آن. ثم يستشرف اتجاهات صيف 2008 مع اجتياح اللون الأبيض والكاميل وإدراج الألوان الفاتحة والمعرّقة وتداخل لمروحة الألوان الربيعية الفاقعة والصارخة، وسيبزغ عصر السروال ـــــ«الشورت». سعادة الذي يقدّم ثلاثة خطوط في دار أزيائه، تتنوّع بين البذلات الكلاسيكية والبذلات السبور ـــــ شيك، وقطع تحاكي آخر صيحات الموضة، يجري التحضيرات اللازمة للانطلاق منتصف العام المقبل وتقديم مجموعة ضخمة لموسم خريف وشتاء 2008ـــ 2009.
قد يتساءل بعضهم: هل يعير مجتمعنا عالم الأزياء الرجالية اهتماماً يذكر؟ يعزو سعادة انتشاره إلى ذكائه في التسويق، وخصوصاً أنه قدم عروضاً، كان أبطالها ملوك جمال لبنان مثل: غسان المولى وعمر محيو ووسام حنّا وباسل أبو حمدان وأنطوني وروك حكيم. كما ارتبط اسمه بمشاهير مثل: كاظم الساهر وراغب علامة وماجد المهندس وجورج قرداحي وفضل شاكر، كاشفاً عن طموح كبير يدغدغ مخيّلته بإطلاق مجموعة الملابس الجاهزة الخاصّة ببذلات الأعراس وتخطيّ حدود الوطن العربي. يذكر أن نمر سعادة اكتسب حب الموضة من أجداده الذين بدأوا الخياطة منذ عام 1925، وقد عزز موهبته بالدراسة في معهد إيسمود في بيروت».