strong> محمد عبد الرحمن
النجاح الكبير الذي حققته المقدمة الغنائية لمسلسل «يتربى في عزو»، ظلم كثيراً أغنية الختام التي لخّص فيها الشاعر أيمن بهجت قمر، مجمل الأفكار التي أراد المؤلف يوسف معاطي تقديمها من خلال حياة حمادة عزو (يحيى الفخراني). فالأغنية الأولى تضيء على الخط الرئيسي في الأحداث: تعلّق حمادة عزّو المرضي بوالدته ماما نونة (كريمة مختار). وهي العلاقة التي أوحت للجمهور في الحلقات الأولى، أن المسلسل كوميدي صرف: قصة رجل في الستين، ما زال يصحو كل يوم على صوت والدته التي تعدّ له ملابسه وفطوره، على رغم أنها في السابعة والسبعين. لكن مساوئ التدليل المفرط ـــــ وإن كانت أساسية ـــــ ليست الهدف الوحيد من العمل. إذ نجح يوسف معاطي في تقديم العديد من القضايا المتعلّقة بشخصيات تأذّت من تصرفات حمادة عزو «الصبيانية». وإذا به يكشف النقاب، وبشكل غير مباشر، عن عيوب اجتماعية قاتلة.
بين هذه القصص، نجد مثلاً إبراهيم عزو (أحمد عزمي)، النجل الأصغر لحمادة. هذا الشاب الذي يعاني أزمات نفسية حادة نتيجة عزلته عن عائلة والده بسبب والدته (مدبرة منزل) التي تزوجها حمادة ضمن نزواته الكثيرة، يسلّط الضوء على واقع تعيشه اليوم فئة من الشباب المصري. في بداية الحلقات، كان منخرطاً في التنظيمات الشيوعية، يشارك في التظاهرات ويواجه يومياً رجال الأمن. وبعد أن ينجح هؤلاء في ضرب الخلية اليسارية عبر إغراء قائدها بالعمل الصحافي المربح في جريدة حكومية، تنهار مبادئ إبراهيم. ويتحول إلى «بلطجي»، يبحث عن المال والمخدرات، بعدما فقد الأمل في أي مساندة من والده المشغول دائماً بنزواته العاطفية. هناك أيضاً الدكتورة نوال، ابنة عم حمادة عزو التي تعود إلى مصر بعد سنوات من العمل في ألمانيا. حملت نوال (نهال عنبر) ملفاً آخر، يتناول ـــــ ولو بحياء ـــــ اغتيال العلماء العرب في الخارج، وفشل علماء مصر في تخطّي الخطوط الحمر والضغوط السياسية، في ما يتعلق بالأبحاث النووية. كل هذه الأفكار ضمنها يوسف معاطي في مسلسل رآه الكثيرون من أبرز أعمال هذا الموسم. وإن كانت المنافسة المصرية محتدمة مع «الدالي» و«الملك فاروق» و«قضية رأي عام»، فإن كاريزما الفخراني وخبرة المخرج مجدي أبوعميرة وتوقيت العرض وتعدد المحطات التي تنقله... كل ذلك أسهم في إقبال الجمهور على «يتربّي في عزو».
إضافة إلى ما سبق، يعدّ العمل إضافة مهمة في مشوار يحيى الفخراني مع الدراما التلفزيونية. هو كان خائفاً خلال التصوير، يترقب ردّ فعل الناس، ويردد: هذا المسلسل إما أن ينجح جداً أو يفشل جداً. كان يتحدث، وفي ذاكرته الألم الذي سببه مسلسل «المرسى والبحار» بعدما مني بفشل ذريع قبل سنوات... وفيما ظهر في «المرسى والبحار» بدور شاب عمره 37 عاماً، وهو ما جعله يتعرض إلى حملة من الانتقادات، ها هو يطلّ هذا العام في سنّه الحقيقية، وفي داخله طفل عمره 10 سنوات. ونجاح الفخراني أسهم في تعزيز حضور زملائه في العمل: كريمة مختار تألّقت في دور «ماما نونة»، ونهال عنبر قدمت شخصية مغايرة عن أعمالها السابقة، وياسر جلال نجح في كسب تعاطف الناس مع دور الابن الذي يعاني من استهتار والده. والكلام نفسه ينطبق على انتصار التي تقدّم دور الأم المسكينة الخاضعة للمرة الأولى، ورانيا فريد شوقي في دور الزوجة النصّابة. كذلك ابنا عم ّحمادة (أشرف عبد الغفور وسامح الصريطي) نجحا في تقديم صورة أرستقراطية عن عائلة «عزو»، أعرق عائلات المعادي. حتى هشام عباس استفاد من نجاح العمل، لأن أغنية المقدمة انتشرت أكثر من جميع أغاني ألبومه الأخير. وبالعودة إلى الخاتمة، يقول عبّاس: «بقى جدودك يبنوا أهرامات وولادك يلعبوا في الطينة». ويضيف: «إعمل حاجة الله يكرمك... هو أنا يعني اللي هفهمك، جتنا سبعة وستين خيبة». لكن الكثيرين لم ينتبهوا إلى أن المسلسل يشير إلى هزيمة 1967، إذ طغت على العبارة صرخة التحدّي التي يطلقها الفخراني في الختام، صارخاً: «يا حمادة يا جامد»!

21:00 على «المستقبل»