محمد عبد الرحمن
حين ضاقت سُبل العيش برائد المسرح العربي أبي خليل القباني في دمشق، وجد في مصر ملاذه الآمن. وحين انتقل جمال سليمان العام الماضي إلى القاهرة، علت الأصوات احتجاجاً على «الغزو» السوري للدراما المصرية... ما سرّ هذا الهجوم على فناني دمشق؟

ماذا يحدث عندما تتوتر العلاقات بين بلدين يجمعهما تاريخ ولغة وتجربة وحدة لم تكتمل؟ بالتأكيد سيسعى بعضهم إلى نزع فتيل الأزمة، فيما يحاول المتضررون من عودة المياه إلى مجاريها، إعادة إشعال المواجهة هنا وهناك... هذا النموذج السياسي يمكن تطبيقه بسهولة عند الحديث عن الحرب الإعلامية التي تشتعل كلّ فترة، إثر زيادة نشاط الفنانين السوريين في «هوليوود الشرق».
لكن ما لم ينتبه إليه كثيرون هو سرّ هذا التوتر بين فناني القاهرة ودمشق تحديداً، وكثرة الأصوات المعارضة للتعاون بينهما. فالحملة على انتشار النجمات اللبنانيات في السينما المصرية، واتهام «دلّوعات بيروت» بسرقة الفرص من ممثلات مصر، سرعان ما اختفت. وأرسلت تونس إلى القاهرة في السنوات الأخيرة دفعة من الممثلات من دون أي احتجاج يذكر، لكن ماذا عن دمشق؟
بعدما علت وتيرة التصاريح والتصاريح المضادة العام الماضي، إثر مشاركة جمال سليمان في «حدائق الشيطان»، وانتهت بحضور مضاعف لنجوم دمشق في القاهرة هذا الموسم... عادت الأمور أخيراً إلى ما كانت عليه في السابق. والبداية من سلاف فواخرجي. قبل أيام، حطّت الممثلة السورية رحالها في مصر، وشاركت في حفلة إطلاق فيلم «ليلة البيبي دول». بعدها، نشرت وكالة الأنباء الألمانية (دي بي آي)، خبراً يؤكد إقامة فواخرجي بشكل شبه دائم في مصر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لتصوير الفيلم الذي يجمعها بمواطنها جمال سليمان وممثّلين آخرين. إلا أنّ خبر الإقامة في مصر أزعج على ما يبدو صحافيين في دمشق. خصوصاً أنّ المقال أشار إلى انتقال رغدة وجومانة مراد إلى القاهرة، وإن كانت الأولى قد انضمّت منذ سنوات طويلة إلى النسيج الفني المصري. ثم يضاف إليهن جمال سليمان الذي اشترى شقة في القاهرة، وأيمن زيدان الذي ارتبط أخيراً بالسيناريست نشوى زايد... وعلى الطريق كلّ من تيم الحسن وباسل خياط وباسم ياخور.
وما كان من سلاف إلا أن سارعت إلى نفي الخبر، حتى تتفادى الانتقادات الآتية من دمشق، مؤكدة أنها ستزور القاهرة فقط خلال التصوير، وأن عملها الفني سيظلّ دوماً دمشقي الهوى. ثم جاء دور جمال سليمان. الجميع كان ينتظر مدى إجادته للهجة البورسعيدية في «أولاد الليل»، بعدما أسكتهم العام الماضي في دور صعيدي يلهو في «حدائق الشيطان». وفيما بدأت الاتهامات تنهال عليه من كل حدب وصوب، رفض هو اعتبار اللهجة قانوناً للحكم على أدائه بصفته ممثلاً. وأوضح: «اللهجة ليست أساساً، وإلا لكانت المخرجة السورية رشا شربتجي استعانت بمواطن من بورسعيد لأداء الشخصية»، مشيراً إلى أن الإنكليز مثلاً لم يعترضوا على أداء يحيى الفخراني لشخصية «الملك لير».
وفيما خرج أيمن زيدان وسوزان نجم الدين من مرمى العاصفة، نتيجة تراجع نسبة مشاهدة «عيون ورماد» لزيدان و«نقطة نظام» لنجم الدين، دافع باسل خياط عن وجود السوريين في مصر، مؤكداً أن المطالبة بعدم الاستفادة من المواهب السورية تشبه الاعتراض على علاج الأطباء الأجانب للمرضى المصريين. ويطلّ باسم على الجمهور المصري بعد عشرة أيام في فيلم «الشياطين» الذي تشارك في بطولته جومانة مراد. وهذه الأخيرة تعرضت للانتقادات منذ قدومها إلى هنا قبل ثلاث سنوات، واتهمت بأنها مسنودة من جهات إنتاجية مصرية.
هذه المواقف، على بساطتها، تطرح سؤالاً مهماً: من هو المتضرر من زيادة التعاون المصري ـــــ السوري؟ وهل المشكلة في التعاون نفسه أم في موسم الهجرة من دمشق إلى القاهرة؟
قد تكمن الإجابة في العواصف التي شهدتها الدراما السورية والمصرية في الآونة الأخيرة، خصوصاً في ظل المقارنة الدائمة بينهما، وسباقهما على الفضائيات. ففي مصر، أدرك بعض الممثلين الذين فاتهم القطار، أن «نخبة نجوم سوريا» ستسحب البساط تماماً من تحت أقدامهم، «والدليل أن مسلسل بحجم «الملك فاروق» يخرجه ويشارك في بطولته سوريان». أما في دمشق، فهناك من رأى أن نجوم الشام تخلّوا عن الدراما في عزّ المؤامرة السياسية على المسلسلات المحلية، ورحلوا إلى القاهرة لاهثين وراء المال والشهرة.
بقي أن نذكر أن المعارك الكلامية التي شهدتها الصحف أخيراً بين عباس النوري وحسين فهمي من جهة، وأسامة أنور عكاشة والصحافة السورية من جهة، قابلتها تصريحات تدعو إلى تعزيز التعاون بين البلدين، من عادل إمام ونور الشريف وغيرهما. إذ أدرك هؤلاء أن ثمرة هذا التعاون ستعود بالخير على الجمهور والدراما عموماً.