strong> خليل صويلح
كم تغيّرت الصورة بين الأمس واليوم! حين ضاقت سُبل العيش برائد المسرح العربي أبي خليل القباني في دمشق، غادر إلى مصر ليتنفّس هواءً آخر. والأمر ذاته بالنسبة إلى عدد كبير من الصحافيين الشوام الذين أسسوا صحفاً في أرض الكنانة، لا تزال تصدر إلى اليوم مثل «الهلال» التي أسسها جرجي زيدان.
وحين مُنع طه حسين من النشر في مصر، كان يرسل مقالاته إلى الصحف الحلبية في الأربعينيات، كأنه يستوفي دين عبد الرحمن الكواكبي الذي مات مسموماً في القاهرة. وفي السبعينيات، عندما وجدت السينما المصرية نفسها في أزمة تمويل، تكفّلت السينما السورية باستقطاب معظم ممثلي مصر مثل نور الشريف وصلاح ذو الفقار ونيللي وفريد شوقي، لتقديم أفلام مشتركة. قبلها، استعانت مؤسسة «السينما» بتوفيق صالح لإخراج فيلم «المخدوعون». فيما جاء يوسف شاهين إلى بيروت وأخرج «بياع الخواتم».
القائمة تطول في هذا السياق، ومن المستغرب حقاً، أن تُثار اليوم معارك وهمية حول «غزو» الممثلين السوريين الدراما المصرية. كأن ما يحصل هو حصان طروادة لزعزعة الفن المصري من الداخل.
لنقل إنّ الأمر في حقيقته، ليس أكثر من مانشيتات تتغذّى عليها الصحافة الصفراء. وإلا فما تفسير الطلب المستمرّ لنجوم سوريين للعمل في المسلسلات المصرية من جمال سليمان إلى أيمن زيدان وتيم حسن وجمانة مراد، هل فرض هؤلاء أنفسهم على شركات الإنتاج المصرية؟ ثم هل يعني نجاح عمل أو فشله، مسؤولية ممثل؟ وهل ضاق الهواء المصري حقاً لمجرد مشاركة بضعة ممثلين سوريين في بعض الأعمال الدرامية، أم أن «مصر... البيت بيتك»، مجرد شعار سياحي عابر؟
كان محمد ملص قد أنهى فيلمه «أحلام المدينة» بأغنية محمد قنديل «وحدة ما يغلبها غلاب»، في إشارة إلى حماسة الشعبين للوحدة السورية المصرية. فيما يقول أيمن زيدان في مشهد من الفيلم وهو ينظر إلى القمر المضيئ: «حتى الله مع الوحدة». في تلك الحقبة الذهبية، أطلق السوريون على مواليد الوحدة أسماء «جمال» و«ناصر» و«عروبة»، فهل ينبغي أن يتخلى هؤلاء عن هوياتهم القديمة؟
المسألة لا تخضع لمزاج عابر، ذلك أن الفن أسمى من كواليس النميمة والغيرة الشخصية. ولعلّ في مسلسل «الملك فاروق» الذي أخرجه حاتم علي، وأدى بطولته تيم حسن بنجاح لافت، تأكيداً على أنّ الأصالة الفنية عابرة للحدود، ولا تتوقف عند خبر ملفّق في صحيفة أو غضب فنان، فاته قطار النجومية. الدراما بالنسبة إلى شركات الإنتاج هي بضاعة رائجة ورابحة، مهما كانت جنسية صناعها، وإلا كانت توقّفت هذه الشركات عن «استيراد» النجوم السوريين، موسماً وراء الآخر. في المقابل، فإنّ نظرية المؤامرة لا تصلُح في هذا المجال «من الموسكي للحميدية».
في مهرجان دمشق السينمائي، يُدعى أكثر من مئة نجم مصري بصفة ضيوف، ويحتلّون المقاعد الأولى في الافتتاح. لكنّ الصحافة السورية لم تحتجّ مرة واحدة. حتى إنّ ناقداً مصرياً علَّق على المشهد، وهو يرى قافلة الضيوف في بهو «فندق الشام»: «إيه المستعمرة المصرية دي» والجملة هذه من دون تعليق بالطبع.