بيار أبي صعب
عزمي بشارة يحارب على كل الجبهات: من النضال الميداني والعمل الحزبي والديموقراطي إلى... التجربة الأدبيّة. لكن جبهته الأثيرة هي، على الأرجح، البحث النظري والفكر السياسي. هذا العربيّ التائه ــــ إذا جاز التعبير ــــ كانت أوراق مخطوطه الجديد مفلوشة على الطاولة في فلسطين، حين اضطر إلى جمع ما تيسّر من أغراض ووثائق ليسلك طريق المنفى. لكنّه واصل مشروعه، بين ندوتين ومؤتمر واجتماع سياسي وكتابة للصحافة... وها هو الكتاب يصدر من بيروت عن «مركز دراسات الوحدة العربيّة» بعنوان «في المسألة العربية ــــ مقدمة لبيان ديموقراطي عربي».
عزمي بشارة من سلالة فكريّة سياسيّة، كم يحتاج إليها اليوم العالم العربي الغارق في رماله المتحرّكة: بين التخلف الاقتصادي، والانحطاط الفكري، والاستبداد والفساد السياسي، والتخاذل القومي، والإحباط الشعبي... إنّه الأكاديمي والبرلماني والقائد الحزبي، المثقف اليساري الذي درس الفلسفة في ألمانيا، ابن الناصرة في قلب فلسطين التاريخيّة الذي عاش على تماس مباشر مع الاحتلال وخبر المعنى الحقيقي للهويّة الوطنيّة، وأعاد اكتشاف الفكر القومي. ينتمي الى جيل جديد من «القوميين العرب» يسعى الى الابتعاد عن الديماغوجيّة والتعميم، من أجل عمل عقلاني وعلمي وميداني، على قاعدة الانفتاح والتعددية والديموقراطيّة.
وهو يكرّس كتابه الجديد تحديداً للبحث في «معوقات التحوّل الديموقراطي»، باعتباره مدخلاً ضرورياً للتعاطي مع «المسألة العربيّة». هذه المسألة التي «تعني في ما تعنيه، أن العناصر نفسها التي تمنع تحقق الأمّة في داخل الدولة القطريّة وخارجها، هي العوامل التي تعوق التحوّل الديموقراطي». ويعترف عزمي أنّ القوميّة العربية لم يعد بوسعها أن تتجاهل الدول القائمة، لذا لا بدّ برأيه «من أن تلتقي مع البرنامج الديموقراطي، لكي تنتصر وتنفي ذاتها في المواطنة الديموقراطيّة المشتركة في الأمّة المدنيّة».