حسين بن حمزة
في مجموعته الشعرية الجديدة «نسيان» (مؤسسة جذور الثقافية)، يقدّم الشاعر السوري، المقيم في أميركا، فراس سليمان أوراق انتسابه إلى جوقة الشعراء الذين تحدثوا مع «أميركا» بوصفها مخلوقاً جباراً يعامل الغريب بفظاظة وقسوة، ويبادلها الغريب بالغيظ والكراهية. لم يتصرف كل الشعراء الذين كتبوا عن أميركا على هذا النحو، لكن غالباً ما كان حضورها في نصوصهم يعكس نوعاً من سوء الفهم، المتبادل ربما.
دشّن الشعراء الأميركيون هذه الممارسة بأنفسهم. فعل والت ويتمان هذا ـــــ بشكل موارب ـــــ في «أوراق العشب». أما أشهر قصيدة خوطبت بها أميركا فهي «عواء» لآلن غنسبيرغ. وكان الإسباني لوركا قد افتتح سجل الشعراء غير الأميركيين في قصيدته «شاعر في نيوريوك». السلسلة العربية بدأت بأدونيس الذي كتب «مقبرة من أجل نيويورك»، والأرجح أنها لن تنتهي ما دامت أميركا نفسها تواصل ما يراه الشعراء والفلاسفة وشعوب العالم غطرسة وجبروتاً، سواء في السياسة أو في أنماط الحياة والسلوك.
لا يغادر فراس سليمان المساحة التقليدية للاستعارات والصور التي أرّخت لحضور أميركا ورأس حربتها نيويورك في الشعر العربي. فهنا أيضاً نجد تراكيب لغوية مثل: «طاحونة الجهات» و«بقرة الميتافيزيق» و«حشرات الكوليسترول»... ونقرأ صوراً مثل: «هل ثمة بشر في هذه البنايات الزجاجية» و«أيها البدوي/ ماذا تفعل هنا». وفي نص كامل بعنوان «أميركا» يقول: «أيتها الحشرة العملاقة، أيتها الضارة التي يحلم بها الجميع، أبداً لم يكن لك أخوة أيتها اليتيمة الجبّارة. أصدقاؤك خَدمُكِ ينظفون أقدامك المزروعة في كل مكان مثل اسم الله، وأعداؤك ليسوا أحسن حالاً منك. أمريكا.. هل قلت لك؟ أنا الشرقي الملعون، سأصرف حياتي كلها دون أن يتسنى لي أن أحبك كما أريد.. أن أكرهك كما أحب أن أكره».
المجموعة كلها مكتوبة في نيويورك. لكن القصائد الأميركية المباشرة تحتل ثلثها تقريباً. ويمكن القارئ أن يقرأ باقي النصوص بوصفها أعمالاً يتفتت فضاء العيش الأميركي وتذوب تفاصيله فيها. وهذا ما يجعل القصائد ترتاح من هذا العبء وتفسح المجال لمعاملتها كما تُعامل أي قصيدة أخرى. حينها يتسنى للقارئ أن يفكر بالشعر ممارسةً مستقلة إلى حد ما عن مقاصده الفورية أو مقولاته المباشرة.
يكتب فراس سليمان قصائد قصيرة يتبدى فيها حرص وعناية على أن تقود السطور القليلة إلى قفلة لائقة ومدهشة أحياناً. في القصائد الأطول تتخلص اللغة من النبرة المقتضبة والمشدودة، وتحاول أن تحقق شعريتها عبر الاشتغال على الفكرة أو المشهد الذي ترسمه. في الحالتين، ثمة تفاوت يلمسه القارئ في المجموعة. قد يقرأ ما هو لافت كما في قوله: «الموتى جميعاً / كانوا يودّون / لو ماتوا بطريقة أخرى». وقد يقرأ ما هو أقل أيضاً.