محمد خير
على رغم عنفها وزحامها، ضجيجها وقسوتها، وربما لأجل تلك الأسباب، ما زال الشعراء يقعون في أسر القاهرة... والعاصمة المصريّة التي تنبض في قصائد الشاعر محمود عزت أو للدقّة قصيدته الطويلة التي قسّمها إلى 47 مقطعاً شكّلت ديوانه الأول «شغل Cairo» الصادر عن «دار ميريت».
ديوانه المكتوب بالعامية المصرية يتوزّع بين لقطات تتناول البشر والحجر في قلب القاهرة، ودفقات قصيرة من أسئلة شعرية على شكل الكتابة النثرية التي اعتمدها أسلوباً. اسم الديوان «شغل Cairo» هو إحالة إلى مونولوغ شهير للفنان الأشهر محمود شكوكو يستخدم عزت كلمات المونولوغ في المقطع الثاني من القصيدة/ الديوان: «حبيبي شغل كايرو، مفيش في القلب غيرو، يموت هوة في عذابي، وأموت انا في ضفايرو/ حبيبي شغل كايرو/ أغنية لشكوكو، مش عارف مين كاتبها». هكذا يختتم المقطع بالمفهوم الذي ينتهجه في بقية الديوان، مشاعر متأججة لا تضطر لتفسير نفسها وتحمل رومانسية الشباب المبكر الذي يميز عزت (23 عاماً).
الشاعر يفضّل اقتحام اللحظات من المنتصف وتركها في المكان نفسه كلقطات تسجيلية عابرة «شارع قصر العيني/بالظبط كده/ بيبدأ من العدم/ وينتهي في العدم/ وفي النص/ الناس كلها واقفة/ نفسها تروّح». هكذا ينهي المقطع الذي اكتفى فيه بالمراقبة على عكس مقطع آخر يمارس فيه دور البطولة «العيال اللي قاعدة على السور/ وضهرها للنيل/ والخلايجة اللي في الحناطير/ والحبّيبة اللي مش بينتهوا/ حييجوا كالعادة زي كل يوم/ بس مش حيلاقوا كوبري قصر النيل/ مش حيعرفوا يعدّوا/ لأني حشيله/ وأهرب بيه/ حسيب لهم الأسود يتصوّروا جنبها زي ماهم عايزين/ بس حاخد الكوبري/ أقف عليه لوحدي».
الشوارع والميادين والمقاهي التي تشكّل ملامح القاهرة تؤدي أيضاً أدواراً رئيسة في «شغل كايرو». لكن البشر أيضاً يظهرون، لكن غالباً كشخوص عامة غير مقصودة بعينها، نماذج إنسانية لا تنبع قيمتها من ذاتها، بل من المعنى الذي تشرحه «مش فاكر إيه اللي حصل تحديداً/ بس فكرت/ إزاي حيقدر بعدها يخرج للشارع تاني أو يفتح الشباك/ كانوا بيقولوا حاجات كتير/ كلها متعلقة بفضيحة واحدة/ كافية جداً/ إنها تنهش روح أي حدّ/ وبشكل وحشي جداً/ دلوقتي/ وبعد أقل من سنة/ فوجئت إنه قاعد على القهوة/ زي كل يوم/ بيضحك وبيشتم لعيبة الكورة/ ونسي ونسينا/ بس لسة برضه/ بلاحظ على خده من بعيد/ خط إسود خفيف».
النسيان مهم، لكن ثمة ما لا ننساه، وخصوصاً عندما ينبع من همّ يتجاوز الشوارع المجاورة إلى هموم كينونتنا في مواجهة الآخرين «بتعاطف مع الجنود الأمريكان/ في فيلم أمريكي عن فييتنام/ ولما أحسّ بالذنب/ أتعاطف مع فييتنام/ في فيلم أمريكي عن العراق/ وده شيء طبيعي جداً/ ما دام مفيش أفلام عربي».