فاطمة داوود

آلام بغداد تؤرقه هذه الأيّام، وأكثر ما يشغل باله مشروعان: تعليم أطفال العراق، وتحويل ملحمة «جلجامش» إلى فيلم سينمائي. بعدها، يطلق كاظم الساهر ألبومه الجديد ويفكّر جدياً... بالاعتزال!

«بدأت أملّ الغربة... في داخلي حنينٌ قاتل لأهلي وشوارع مدينتي. تركتُ في العراق شاباً فتياً أرغب في استعادته». هذه الكلمات التي ردّدها كاظم الساهر مراراً، تلحّ عليه بقوة في الأيام الأخيرة. وفيما ينهمك العالم بقرار الكونغرس الأميركي تقسيم العراق، ينكبّ صاحب «بغداد لا تتألمي» على الإعداد لمشروعين: دعم قضية الأطفال العراقيين المحرومين من التعلّم، ثم تنفيذ فيلم سينمائي غنائي عن ملحمة جلجامش، بما تحمله من إسقاطات سياسية وإنسانية...
لا تزال أحياء بغداد القديمة راسخة في ذاكرة كاظم الساهر. تلك المدينة التي هجرها أواخر الثمانينيات، لم تسمح مرةّ للجراح أن تلتئم. يقول ذلك، موضحاً سبب تصويره كليب «مدينة الحبّ»، «علّها تكون رسالة إنسانية ووطنية لكل مواطن عراقي، يمزقه الوجع». (راجع البرواز).

عودة إلى العراق

هذه ليست المرّة الأولى التي يدعم فيها الساهر أطفال وطنه، إذ سبقتها الحملة الترويجية «عراقنا». ويقول: «لطالما خدمت القضية العراقية بصوتي، أعيش هذا الجرح كل يوم وكل ساعة. ولا أحتمل النظر إلى شاشات التلفزيون التي تبثّ أخباراً عن الشقاق بين أبناء بلدي، فيما تعبث أياد خفية بأمن وطن، لا حول لشعبه ولا قوة. ومع ذلك، أحاول سرقة بعض لحظات الفرح حين ألتقي الجمهور في حفلاتي الغنائية».
أما القضية الأساس التي تكفّل الترويج لها أخيراً، فهي: «مأساة الأطفال العراقيين المحرومين من التعلّم في المدارس الجيدة... هؤلاء مثل المشرّدين، لا يملكون المال اللازم لتلبية احتياجاتهم، حتى البسيطة منها». ويردف قائلاً: «سنقيم سلسلة حفلات في العالم العربي وأوروبا، يعود ريعها لمصلحة أطفال العراق. سأعمل على الترويج لهذه القضية، علّني أسهم في إيجاد الحلول لها بمؤازرة المسؤولين أو المهتمين بالقضايا الإنسانية... حتى لو اضطررت إلى العودة للعراق، وإحياء الحفلات هناك».
لكن متى سنرى «جلجامش» على خشبة المسرح؟ يجيب، وقد لمعت عيناه فرحاً: «سنحوّل الأسطورة إلى فيلم غنائي، لكنني لم أجد منتِجاً حتى الآن. لذا، ترينني أعمل على إكمال المشروع على نفقتي الخاصة، حتى لو كلّفني ذلك الاحتفاظ به في الأرشيف... سأنفّذه ربما في استوديوهات هوليوود بعد الاستعانة بفرق رقص وأوبرا من إيطاليا وأوكرانيا وروسيا، فيما سيقوم الممثلون بعملية الدوبلاج، لأنهم أقدر على منح الشخصيات ملامح إنسانية حقيقية. وسيشارك في الغناء، إلى جانب فرق الأوبرا، بعض الفنانين ذوي الأصوات الجميلة، بغضّ النظر عن شهرتهم. وأنا أشرف اليوم مع المخرج البريطاني فارتان على الاختيارات. ولا أخفي عليك أننا أجرينا تجارب على المشاهد التصويرية، فكانت النتيجة مبهرة، خصوصاً أن الملحمة أسطورية وتتطلّب تقنيات عالية الجودة».
أما لماذا اختار قصة «جلجامش» بالذات، فقال: «أولاً هي ملحمة سومرية، ثانياً تحمل قصة ذلك الملك الذي قضى حياته بحثاً عن سر الخلود. وفي الفيلم، سنأخذ محطات من سيرة جلجامش، على أن نحمّلها الكثير من الإسقاطات سواء السياسية أو الاجتماعية أو الإنسانية، فالصراع بين الحق والظلم، الخير والشرّ سيبقى حتى الأزل. وقد انتهيتُ من كتابة الألحان التي ستتجاوز الساعتين تقريباً. وعندما نحلّ أزمة الإنتاج، سندخل الاستديو لتسجيل الأصوات عليها».
لكنّ الساهر أعلن في مؤتمر صحافي أقامه الصيف المنصرم في جرش، أن العمل سيكون مسرحياً. وتحدثت بعض المصادر عن إنتاج دولة قطر للمشروع، خصوصاً أنّها منحت الفنان العراقي أخيراً الجنسية القطرية؟ فأين المشروع من كلّ ذلك؟
يقول إنّه يعمل اليوم على الفيلم، مستبعداً أن تكون دولة قطر الجهة المنتجة لهذا المشروع الضخم، «فالعقود الرسمية لم تُوقّع والاحتمالات ما زالت مفتوحة على أكثر من صعيد»، مشيراً الى أنه سيلعب دور البطولة في الفيلم، ويجسّد شخصية «جلجامش».

عن الحب وأشياء أخرى

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن توتّر العلاقة بين «قيصر الأغنية العربية» و«روتانا»، بعدما تسرّبت أخبار عن تقصير الشركة السعودية في التسويق وإقامة حفلات توقيع ألبوم «يوميات رجل مهزوم»... لكنّ كاظم يصرّ على أن الخلافات حول «تفاصيل لا يجدر التوقف عندها»، قد حلّت. خصوصاً أنّ الاتفاق بينهما اليوم يتجدد سنوياً لإنتاج ألبوم واحد، أي بعيداً من العقود طويلة الأجل، و«نحن الآن بصدد الإعداد لعقد توقيع العمل المقبل».
بعيداً من الفن، يرفض كاظم التعليق على الشائعات التي تدور حول حياته الشخصية، وينفي جملة وتفصيلاً حقيقة زواجه السريّ. وفيما يشدّد على أنه يبحث اليوم عن امرأة تعرف كيف تحب وتمتلك عاطفة جارفة، يؤكد أن الزواج ما زال بعيداً، وإلى أجل غير مسمى...
كذلك يستغرب لوم بعض الصحافيين له على نيل الجنسية القطرية، وتسييس الموضوع برمّته، وهو يرى الجنسية الجديدة شرفاً وتقديراً لمسيرته، ويفتخر بامتلاك جنسية عربية ثانية...
وعلى رغم معاناته الطويلة، خصوصاً عذابات الطفولة والشباب في بغداد، ثم رحلته المشوّقة في عالم الفن، يرفض الساهر كتابة أجزاء من حياته، فـ«الوقت ما زال مبكراً وهناك فنانين كثر يليق بهم كتابة سيَر حياتهم. أضيفي إلى ذلك أنني أتحفّظ على أمور كثيرة».
كاظم، الذي حرص طيلة 18 عاماً على تكريس نجوميته، يخطّط بجهود حثيثة كي يبصر مولوده الأخير النور. ثم يأخذ قسطاً وافراً من الراحة، قد يعود بعدها إلى الفن أو... يعتزل!



تائهٌ...في «مدينة الحب»

زار كاظم الساهر بيروت، قبل أيام، ليطلّ في برنامج «قناة 5 نجوم» على شاشة «روتانا موسيقى». إلا أنّ رحلته القصيرة إلى لبنان، لم تكن للعمل فحسب. إذ استغلّها لأخذ قسط من الراحة، خصوصاً أنّه كان يعاني آلاماً حادّة في الظهر. وهذا ما جعله يجلس طيلة الحلقة مع هالة في مكان واحد، بدل التنقل بين ديكورات البرنامج. علماً أنّ تغيير صيغة «قناة 5 نجوم»، باتت عادة في حلقات «الكبار»: عادل إمام ومحمد عبده ويسرا...
الساهر عرف منذ بداية الحلقة كيف تؤكل الكتف، فدفع بالحوار إلى حيث يريد هو. وبعدما تولّى فريق عمله متابعة أدقّ التفاصيل والإشراف على مجريات الحلقة، طغى النقاش في السياسة والطفولة في العراق، على أي شيء آخر. وفيما يردّد بعضهم أنّ المطرب العراقي تقاضى نحو 100 ألف دولار عن ظهوره في «روتانا»، خصّ بدوره البرنامج بعرض مشاهد قليلة من فيديو كليب «مدينة الحبّ» التي صوّرها تحت إدارة المخرج حسين دعيبس، بكاميرات فيديو بعيداً من تقنيات السينما وإبهارها.
هنا، نسأل كاظم عن الكليب، فيقول إنه تعمّد التركيز على مشاهد الحرب المدمّرة التي ظهرت في الشوارع المحترقة، وتجلّت مع أطفال يهرولون هرباً من ألسنة النار والدخان. والأغنية المدرجة ضمن ألبوم «يوميات رجل مهزوم» كتبها الشاعر كريم العراقي ولحّنها كاظم نفسه. وكان عنوانها في البداية «بعد الطلاق»، ثم تغيّر إلى «بعد الفراق»، لكن المطرب العراقي ارتأى تغييره مجدداً إلى «مدينة الحبّ»، ليعكس حال بغداد. هكذا، ظهرت الحبيبة بشعرها المشعثّ، وملابسها الرثّة، تركض من دون وعي صوب المجهول. وقد تطلّب سيناريو المخرج دعيبس بناء ديكورات خاصة، شبيهة بأحياء بغداد، في العاصمة الأردنية. يصرخ كاظم في الأغنية: «أهذا يا زمان أنا؟»، معلناً تحدّياً من نوع آخر: «صبّوا العذاب كما شئتم على جسدي... فلا شهود على تعذيب سجّان»، وهو يجول بين شوارع بغداد باحثاً عن مدينة الحبّ الضائعة وسط الركام. اللافت أنّ صورة بغداد السوداوية في الفيديو كليب هي غيرها في قلب كاظم. حتى اليوم، لا يتذكر من بغداد سوى صور جلسات الأدب والشعر والفن وثرثرات الأصدقاء حول العشق، «لن أتنازل عن الصورة الجميلة المرسومة في ذهني، لأنها الحقيقة التي أؤمن بها».
يُذكر أخيراً أنّ موعد عرض الكليب على شاشة «روتانا»، المنتجة للعمل، لم يحدد بعد. فالمخرج لم ينته من عملية المونتاج، وكاظم سيعرض قبله كليب أغنية «إنسى»، من كلمات أسير الشوق وألحان كاظم الساهر وإخراج حسين دعيبس أيضاً.
وبعد الحلقة، لبّى كاظم دعوة المطرب فضل شاكر إلى السحور في مطعم «ألحان» في صيدا، وكان هذا الأخير قد دعا إلى السحور أيضاً الفنان محمد عبده.