محمد خير
شهد رمضان الماضي عودة غير مسبوقة للمعتزلات. صابرين وسهير البابلي وسهير رمزي ارتدين الحجاب حتى في غرفة النوم! أما هذا الموسم، فتغيّر المشهد وغابت نجمات الحجاب عن الشاشة. فهل تعلّم الكتّاب والمنتجون من دروس العام الماضي، بعدما فشلت هذه الأعمال في جذب الجمهور؟

إذا كانت تيمة رمضان الماضي هي ظاهرة محجبات الدراما، فالموسم الحالي يشهد غياباً كاملاً لهؤلاء الفنّانات. الغياب هنا ليس اختفاءهن ـــــ تقريباً ـــــ من المسلسلات فحسب، بل الأهم، والأكثر دلالة، هو غياب الحديث عن غيابهن!
يبدو ذلك لافتاً بعدما اعتدن ــــــ منذ بدأت ظاهرة عودة المحجبات المعتزلات إلى الشاشة ــــــ أن يملأن الدنيا ويشغلن الناس بحواراتهن الصحافية، وأزيائهن، وكيفية تكيّفهن مع ما تفرضه الدراما أحياناً من حركة ومن ثياب، قد لا تتناسب والصورة التي يرسمنها لأنفسهن... وبعدما كثرت الأخبار عن أجور مليونية، وترويج لأنماط وألوان وموديلات معيّنة من الحجاب، والحديث الذي لا غنى عنه عن «رسالة الفن» التي افترضن أنها تعني تأدية أدوار وأنماط مثالية لا تعرف الخطأ البشري: شخصيات أسطورية توجّه «الرسالة» إلى الجمهور، وتكاد تسقيه إياها سقياً، ولو أنّ الإنصاف يقتضي بأنّ ما سلف أصبح حالة عامة لا تقتصر على المحجّبات.
إلا أنّه في حالة الفنانات المحجّبات كانت المثالية «تتفاقم»، حتى يكاد المشاهد يتوقّع في أي لحظة أن ينشقّ ظهر النجمة العائدة عن جناحين يحملانها بعيداً إلى السماء، كما حدث تقريباً مع نبيلة عبيد في خاتمة فيلم «رابعة العدوية». إلا أن ذلك المشهد الشهير كان على الأقلّ مزوداً برائعة أم كلثوم «الرضا
والنور».
أما في حالات الـ«سهيرين» (البابلي ورمزي) أو صابرين وحنان ترك وغيرهن، فإن الدراما التي تعاني أصلاً عوائق الرقابة ومحاذير التقاليد، وجدت نفسها أمام محاذير جديدة: تبدأ من منع عناق الأم لابنها، وصولاً إلى ارتداء النجمة حجابها حتى داخل غرفة نومها. لم تكن حياة كتّاب السيناريو سهلة يوماً، فإذا بنجمات الحجاب يزدنها صعوبة، ولا يكتفين بمحاذيرهن الـ«إكسترا». فقد قررت إحداهن الاستجابة للانتقادات التي طالت ارتداءها الحجاب في غرفة النوم «الدرامية»، فوجدت حلاً ألمعياً، ألا وهو ألا يحتوي مسلسلها التالي على أي غرفة نوم أساساً، وبهذا ترضي جميع الأطراف، باستثناء المؤلف قطعاً، ذلك الذي تفقد حكاياته كل يوم «أرضاً» جديدة بالمعنى الحرفي للكلمة. هل هي مفاجأة ـــــ بعد هذا ـــــ أن ذلك المسلسل، منزوع «النوم»، لم يخرج إلى النور حتى الآن؟
ليست مفاجأة: فالكتّاب، على رغم أهمية دورهم، هم الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج. أما الحلقة الأقوى أي المنتجون، فقد تعلموا دروساً مهمة خلال العام الماضي، تتلخص في عدم قابلية إعادة تسويق مسلسلات النجمات العائدات من اعتزالهن التحجّبي، عبر الإعادات المتوالية للمسلسلات الرمضانية على مدار العام. لم نشهد إعادات لمسلسل البابلي أو سهير رمزي أو صابرين، ما يعني أن الإنتاج قد «شرب» المسلسل، فلم يتسنّ له إعادة بيعـه للفضائيات بعد العرض الرمضاني الأول. وفي ذلك خسارة ـــــ لا شكّ ـــــ فادحة، في ظلّ أجور وصلت إلى 3 ملايين جنيه (نصف مليون دولار) في حالة سهير رمزي على سبيل المثال. وهي، لولا عودتها الدراماتيكية بالحجاب، ما كانت تحلم بربع ذلك المبلغ الذي فاق ما تحصل عليه نجمات أفنين عمرهن في الدراما التلفزيونية، وهنّ بالتأكيد أكثر موهبة وأغنى تاريخاً.
لقد اكتشف المنتجون، بالطريقة الصعبة، الحقيقة التالية: من الخطر المراهنة على مسلسلات المحجبات، وذلك لسبب بسيط يتلخص في أنه في الوقت الذي تلقى فيه يسرا أو ليلى علوي أو إلهام شاهين تأييداً بلا تحفظ من جمهور كل منهنّ، فإن جمهور النجمات المحجبات يتميز بطابع خاص هو كون معظمه يفضّل أن تعتزل نجمته المفضلة العمل الفني! إنهم سعداء بحجاب النجمات، ولكنهم سيسعدون أكثر لو أن نجماتهن اعتزلن الفنّ تماماً، سواء للجلوس في المنزل أو تقديم البرامج التلفزيونية، أو على الأكثر الاكتفاء بالمسلسلات الدينية التي تعد مجالاً طبيعياً لنجمات الحجاب (أربع منهن يشاركن في مسلسل «الإمام الشافعي»). وهي مشاركة ستتزايد في ظلّ تقلص عدد المسلسلات الدينية وزيادة عدد الممثلات المحجبات في السنوات الأخيرة.
ربما لهذه الأسباب اتخذت عبير صبري قرارها بخلع الحجاب. الممثلة الشابة، جميلة الملامح، شغلت الدنيا بخبر تحجّبها، واتجهت إلى البرامج التلفزيونية وكتابة المقالات! لكنها استطاعت سريعاً أن تنظر بعيداً، وتدرك أن الظروف الإنتاجية تتغير ولكن ليس لمصلحتها وزميلاتهـا. هكذا اتخذت القرار الذي أثار الصحافة قليلاً ثم تجاوزته موقتاً إلى أن تشارك عبير في عملها الأول... الأمر الذي لن يكون سهلاً، لأن عبير لم تشتهر بموهبة مميزة، وقد ابتعدت عن الوسط الفني فترةً لا بأس بها.
هي إذاً المصلحة المشتركة بين المنتجين والمؤلفين والفضائيات الراعية، بل والنجمات اللواتي قد يفكرن في التراجع عن حجابهن كما فعلت عبير وإيمان العاصي، بل والمذيعة بسمة وهبة. المصلحة مشتركة في عدم إثارة الضجة، إلى أن يمر العام ويقيس الجميع نتائج رمضان الخالي من محجّبات الدراما.