رام الله ـ يوسف الشايب
يرصد المخرج الفلسطيني طارق يخلف في «العاصفة مرت هنا» الذي عُرض أخيراً في «مسرح وسينماتك القصبة» في رام الله، حكايات الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات و«الدورية الأولى» بعيد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967. هكذا، يسلّط الشريط الضوء على رحلته «السرية» إلى الأراضي الفلسطينية لتأسيس قواعد للثورة وتعزيز العمل الميداني والعسكري ضد الاحتلال عبر تنظيم المزيد من المقاومين وتدريبهم وتزويدهم بالسلاح.
يتوغّل الفيلم في أسرار من تاريخ النضال الفلسطيني وجوانب في شخصية عرفات تُكشف للمرة الأولى. فمثلاً، لا يعرف كثيرون من أهل رام الله أنّ الشقة التي تعتلي حلويات الأمراء الشهيرة، وسط المدينة، كانت أحد ملاجئ أبو عمار الذي تنكّر خلال رحلته التي تواصلت شهرين بأكثر من شخصية، وتحت اسم أبو محمد، قبل أن يهرّبه رفاقه بحافلة لنقل الحجارة إلى الأردن.
أبطال الفيلم الـ19 بينهم شخصيات سياسية معروفة، أبرزها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وآخرون ممن رافقوا عرفات، نسجوا الحكاية وتحدثوا في تفاصيل جعلت الحضور الذين يعيشون كغيرهم من الفلسطينيين انفصالاً بين شطري الوطن جغرافياً وسياسياً، يتحسّرون على زمن مضى، كان فيه عرفات، رئيس حركة فتح، يقدّم بيده كوب الماء ليسقي الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس.
وبين الحكايات المثيرة في الفيلم الذي تتبع رحلة عرفات في أكثر من مدينة لتأسيس بذرة الكفاح المسلّح من داخل الأراضي المحتلة، أنّ «الختيار» كما كان يطلق على «أبو عمار» أصرّ على الإصلاح بين زوجين كانا يتشاجران عند مروره مع رفاقه في «جيب الأقرع» وسيلة تنقلهم الأساسية في «الدورية الأولى». ما عطّل المسيرة ليوم كامل لكنّه نجح في مهمته الاجتماعية، وما كان من الزوجين المتخاصمين إلا أن انضمّا إلى حركة فتح!
عرفات الذي تخلى عن فكرة الكفاح المسلّح من الداخل لاحقاً، إثر تقارير ميدانية، كان أهمها من «أبو صبري» أحد قادة فتح، كان يشارك في تنفيذ العمليات العسكرية بنفسه، كما يؤكد أبطال الشريط الوثائقي.
الفيلم الذي بدأ بمشهد يظهر قبر عرفات في رام الله وانتهى بالمشهد نفسه بعد لقطات من تشييع جثمانه، يكشف أيضاً أماكن التدريب، وتنقل أبو محمد ورفاقه في المدن المختلفة وتسلسل الأحداث حتى ما بعد معركة الكرامة. فمنجرة هواش كانت أول مكان لتدريب أفراد حركة فتح في مدينة نابلس، في حين كانت قباطية، البلدة القريبة من جنين، أولى المحطات، حيث بدأ الكادر الفتحاوي التدرب على السلاح، قبل مجيء عرفات في نهاية تموز (يوليو) من عام 1967. وهي البلدة التي انتسب جميع أفرادها إلى الحركة، إثر مبايعة من شيوخ القبائل لعرفات وتعهّدهم بحمايته وحماية الثورة.
فكرة الفيلم الذي استغرق تصويره عاماً في محافظات الضفة الغربية، والأردن، وتونس، كانت بمبادرة من حركة فتح وبالتحديد مكتب الشؤون الفكرية والدراسات في الحركة الذي أنتجه بالاشتراك مع المجلس الأعلى للتربية والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية. كما كانت بهدف تكريم عرفات في ذكرى وفاته الثانية العام الماضي. إلا أنّ الوقت لم يسعف المخرج فتم الاتفاق على أن يأخذ العمل مداه ليخرج بالطريقة التي يرضى عنها الجميع من حيث المادة التوثيقية والتقنية الفنّية في الوقت عينه.
يقول يخلف: «قرأت الكثير من المراجع والكتب عن الرئيس الشهيد، وقابلت أناساً عدة، إلا أنني بالصدفة سمعت نقاشاً عن «الدورية الأولى» التي قدم عبرها عرفات سراً لتدعيم الثورة، إثر هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران (يونيو). شعرت بأنّ التركيز على «الدورية الأولى» التي لم يكتب عنها أحد وكان عرفات نفسه يرفض الحديث عن الكثير من تفاصيلها، فرصةً للكشف عن جوانب إنسانية خفيّة في حياة أبو عمار، علاوةً على معلومات جديدة من الناحية السياسية والتاريخية».
ويشير يخلف إلى أنّ تتّبع خيط رحلة عرفات الأولى ما بعد النكبة، كان في البداية عبر عبد الحميد القدسي، وأبو علي شاهين، في حين لم يتمكن من إجراء مقابلات مع مصطفى عيسى (أبو فراس)، أحد أهم شهود تلك الرحلة لأسباب صحيّة.
ويؤكد يخلف: «لم يكن سهلاً التعامل درامياً مع 90 ساعة مصوّرة، تحمل الكثير من المعلومات القيّمة واللحظات الإنسانية. حين انتهى بنا التصوير إلى حيث خروج عرفات متخفّياً من الأراضي الفلسطينية، وجدت أنّ حكاية الدورية الأولى لا تنتهي هنا، بل تتواصل في الكرامة، حيث عرفات، وحيث المعركة التي أسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر. الفيلم يحكي الكرامة بلسان فلسطيني، وهي من المرات القليلة التي تصوَّر فيها حكايات الكرامة مع من عايشها من الفلسطينيين».