strong>حمّوش أبو بكر
كيف برّرت «زعيمة العالم الحرّ» التعذيب الذي مارسته بعد اعتداءات 11 أيلول؟ أشباح غوانتانامو وسجون العراق وأفغانستان، هل تقضّ مضجع بوش و«صقور» الإدارة الأميركية؟ هنا بعض الأسئلة التي يطرحها الصحافي الشهير ألكس غيبني في «تاكسي إلى الجحيم» هذا المساء على arte

هل يعاني جورج بوش وديك تشيني وصقور الإدارة الأميركية الكوابيس؟ هل تقضّ مضاجعهم أشباح الأبرياء من المعتقلين بتهم الإرهاب والذين قضوا تحت التعذيب في السجون والقواعد العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق وغوانتانامو؟
بهذه الأسئلة يفتتح المحقق الصحافي الأميركي الشهير ألكس غيبني شريطه الوثائقي «تاكسي إلى الجحيم» الذي يُعرض مساء اليوم على قناة «آرتي». ويتناول موضوع ممارسة التعذيب بشكل منظّم ومقنّن من الجيوش الأميركية في حربها العالمية المعلنة على «الإرهاب».
ومن المعروف أن ألكس غيبني اشتهر بتحقيقات تلفزيونية نال عنها جوائز عالمية منها: «جنود في جيش الرب» (2000) عن المبشّرين الإنجيليين في أميركا، و«محاكمة هنري كيسنجر» (2002) عن أسرار حرب فيتنام.
وها هو يتصدى في شريطه الجديد لظاهرة التعذيب الذي تمارسه الجيوش الأميركية. وكعادته، لا يكتفي بالجزء الظاهر من الحقيقة، والمتمثل في اعتراف القيادة العسكرية الأميركية بـ«حالات متفرّقة» من جرائم التعذيب، وإحالة الجنود المتورّطين بشكل مباشر على المحاكم العسكرية. إنما يذهب أبعد من ذلك، كاشفاً أنّ الأمر لا يتعلق بـ «حالات متفرّقة» ناجمة عن مبادرات شخصية من بعض الجنود، بل بظاهرة مخطّط لها من القيادة العسكرية وبمباركة كاملة من إدارة الرئيس بوش.
ينطلق التحقيق من حادثة مقتل سائق تاكسي أفغاني يدعى ديلاوار تحت التعذيب في المركز التابع لـ«سي آي إيه» في قاعدة باغرام العسكرية، شرق كابول. هذا المركز ـــــ وهو اصلاً مستودع كان يستعمل لصيانة الطائرات العسكرية في قاعدة باغرام التابعة لسلاح الجوي الأفغاني ـــــ أصبحت الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الإنسان، تلقّبه بـ«هنغار الفظائع»، تنديداً بما يُقترف داخله من جرائم وتعذيب من محققي «سي آي إيه» بحقّ المعتقلين بتهم الإرهاب.
اعتقل ديلاوار يوم 2 كانون الأول (ديسمبر) 2002، بتهمة نقل قيادات من طالبان في سيارته. ورغم افتقارهم إلى أيّ دليل يثبت التهمة، لم يتردد الجنود الأميركيون في تصنيفه «محارباً عدوّاً» وأحالوه إلى «هنغار الفظائع» في باغرام حيث أُخضع لمختلف أشكال العنف والتعذيب حتى توفي متأثراً بجراحه بعد خمسة أيام
كشف تحقيق لـ«نيويورك تايمز» لاحقاً أن ديلاوار كان بريئاً من تهمة الإرهاب، واعترف أحد الجنود الذين اعتقلوه بأن «سوء الخط وحده شاء أن يكون ديلاوار في التوقيت الخطأ في المكان الخطأ»!.
يستعيد ألكس غيبني قضية ديلاوار منذ لحظة اعتقاله ـــــ وقد كُتب في محضر الاعتقال أنه طويل القامة وممتلئ البنية ـــــ حتى مقتله بعد خمسة أيام. وجاء في محضر تشريح الجثة أنه لم يعد يزن سوى 55 كيلوغراماً، وأن رجليه الاثنتين كانتا مكسورتين، فضلاً عن جراح وحروق على كامل جسمه بما فيه الأعضاء التناسلية.
أمام الكاميرا، اعترف أحد الجنود الذين شاركوا في تعذيب ديلاوار بأن ما حدث كان «جهنمياً». لكنّه ألقى باللوم على القيادة العسكرية، قائلاً: «حين تزجّ في وضع جهنمي لم تكن مهيأً له، فإنك من دون أن تدري تنساق إلى ممارسات شيطانية، لا تدرك مدى بشاعتها إلا بعد فوات الأوان».
طوال الأيام الخمسة التي قضاها ديلاوار بين أيدي جلاديه، لم يكف عن التكرار بأنه بريء. لكن ذلك لم يزدهم سوى إصرار على استنطاقه بمختلف الوسائل لدفعه إلى الاعتراف: مُنع من النوم خمسة أيام متتالية وأوثقت يداه نحو السقف، وتُرك معلّقاً في تلك الوضعية. وكلّما حاول أن يستند برجليه إلى الأرض، كان الجنود يضربونه بمساند بنادقهم ما يفسّر الكسور التي تعرّض لها. كما استعملت معه أساليب الحرق في الأجزاء الحميمة من الجسم. وعندما تبيّن أنه اعتقل خطأً، سُتّر على القضية خمس سنوات حتى كشفتها «نيويورك تايمز»، فأُحيل الجنود المتورطون فيها على المحكمة العسكرية. وكما في جميع محاكمات الجنود الأميركيين المتورطين في فضائح التعذيب، ادّعت القيادة العسكرية أنّ الأمر تم بدون علمها، وكان مجرد مبادرات فردية من جنود مغالين في العنف. لكن الشريط يثبت أن القيادة العسكرية الأميركية، بالتنسيق مع المستشارين القانونيين للبيت الأبيض، أعدت مذكرات سرية عديدة لتقنين العنف. وهي تعتمد على التلاعب بالمصطلحات للتفريق بين جرائم التعذيب المنافية لمعاهدة جنيف المتعلقة بأسرى الحرب، وما تسمّيه تلك المذكرات بـ «تقنيات الاستنطاق القوية» أو «المتشددة».
ويكشف التحقيق أن خبراء «سي آي إيه» استلهموا تقنيات الاستنطاق تلك ـــــ ورأوا أنها لا تشكّل خرقاً لمعاهدة جنيف ـــــ من أبحاث أجراها خبير جامعي كندي، أعدّ «أطروحة علمية» حول تقنيات الاستنطاق على مرّ العصور: بدءاً بأساليب المنع من النوم وصولاً إلى الإهانات الجنسية وصدم المعتقدات الدينية للأسرى. إضافة إلى ابتزازهم بالإساءة إلى عائلاتهم وإخضاعهم لأشكال متعددة من التعنيف، تقول الأطروحة إن أنجعها هي تقنية إغراق الرأس في سطل ماء، الوسيلة الكلاسيكية الأشهر لانتزاع الاعترافات. ويشرح الخبير الكندي أنّها أثبتت فاعليتها على مر العصور، منذ أن ابتكرتها «محاكم التفتيش» في القرون الوسطى!

«الديموقراطية: لماذا؟»

يندرج فيلم «آرتي» ضمن حملة إعلامية عالمية تنطلق اليوم وتستمر شهراً، وتشارك فيها أكثر من 35 قناة تلفزيونية وموقعاً إلكترونياً وصحيفة من العالم. وتهدف إلى «محاولة الإجابة عن سؤال «الديموقراطية: لماذا؟». وتستهل هذه الحملة بعرض أول على الموقع الإلكتروني MySpace.com، يليه بثّ 10 حلقات وثائقية في 200 بلد. وتستعرض هذه الشرائط أوجهاً ومحاور متعددة لـ«الديمقراطية»، بدءاً من التحقيقات المتعلقة بتعذيب سجناء الحرب، وتأثير فضيحة سجن أبو غريب وواقع سجناء غوانتانامو، في سمعة أميركا الخارجية. كما تسلط الحلقات الوثائقية الضوء على تجربة غاندي، التطور الديموقراطي في مصر وفوز «الإخوان المسلمين» في الانتخابات الأخيرة، والرسوم الدانماركية...
وقناة «العربية» التي تشارك في الحملة، تعرض الليلة وثائقي «عشاء مع الرئيس»، يتناول تجربة الانتخابات في باكستان عبر مقابلة مع الرئيس الباكستاني مشرّف حول فكرة الديموقراطية ومستقبل الانتخابات الباكستانية. ويستمر عرض الحلقات الأخرى على المحطة، أيام الأحد والاثنين من كل أسبوع عند الساعة 18:00.
يشار إلى أن النقاشات ستستضيفها صفحات الموقع الإلكتروني www.whydemocracy.net

21 :40 على Arte
22:00 على «العربية»