strong>محمد خير
بين العديد من المهن التي قدّمها الممثلون في دراما رمضان الحالي، كانت مهنة ضابط الشرطة الأشدّ إثارة للجدل، بعدما ظهرت بكثافة في معظم المسلسلات المصرية. وأثارت الهيئة التي قدم بها المؤلفون شخصية الضباط، غضب وانتقادات الصحافة والنقاد، وهي انتقادات تركّزت على الصورة المثالية ـــــ الملائكية أحياناً ـــــ التي ظهر بها «ضباط الدراما». وقد وجّهت معظم الانتقادات إلى الضابط (سامي العدل) في مسلسل «قضية رأي عام» من تأليف محسن الجلاد، والضابطين (ياسر جلال وأحمد فؤاد سليم) في «يتربّى في عزو» للمؤلف يوسف معاطي.
انتقدت الصحافة الأسلوب الذي تعامل به ضباط الشرطة «درامياً» مع المتهمين، ورأت أنه في أفضل الأحوال أسلوب بعيد تماماً عن الواقع، وهو واقع يمثّل في مصر محلّ جدل وصراع بين الحكومة من جهة، والمعارضة ومنظمات حقوق الإنسان من جهة أخرى، وذلك حول ما يثار من حين لآخر من قضايا تعذيب واعتداءات، أحيل بموجبها في الفترة الأخيرة عدد من رجال الشرطة على المحاكمة الجنائية. وربط بعضهم بين صورة الضابط في مسلسلات رمضان، وما عرف إعلامياً باسم «كليبات التعذيب» التي انتشرت أخيراً على شبكة الإنترنت. واستُخدم بعضها كأدلة اتهام في دعاوى التعذيب. وتميز أصحاب الربط بين الكليبات والمسلسلات بنظرية خاصة، مفادها أن التحسن الذي طرأ فجأة على صورة الشرطة الدرامية ليس مصادفة، بل تم بأوامر أو طلبات من جهات أمنية، بغرض غسل سمعة الشرطة مما لحقها من ضرر نتيجة «كليبات التعذيب». بينما رأى آخرون أن الأوامر المزعومة ما هي إلا جزء من نظرية المؤامرة المعتادة. واعتبروا أن الأمر لا يتعدى كونه «اجتهادات» من المؤلفين غرضها الابتعاد عن المشكلات الرقابية، فقدموا ضباط الدراما في صورة من يلتزمون حرفياً بمواد حقوق الإنسان من دون شائبة، ولا يستخدمون أقلّ تهديد بدني مع المتهمين مهما كانت خطورة الموقف. وهم جميعاً يمتثلون للقانون حتى في أعقد الحالات وأصعبها، ولا يستطيعون تجاوزه حتى في أبسط المواقف، وهو ما رأت فيه العديد من الصحف، وخصوصاً المعارضة والمستقلة منها، صورة ممعنة في مثاليتها وفي بعدها عن الحقيقة. وقد أحدثت الانتقادات الصحافية تأثيرها في صناع هذه الأعمال وممثليها، فوضعت بعضهم في موقف دفاعي أطلقوا من زاويته العديد من التبريرات: من قائل إن قضايا التعذيب مهما كثرت فهي لا تعبر إلا عن قلة من رجال الشرطة، إلى آخر يؤكد أنه قدّم شخصية الضابط كما ينبغي أن يكون وليس كما هي بالفعل.