strong> رنا حايك
«المسلمون في بريطانيا» عنوان معرض فوتوغرافي يجوب المناطق اللبنانية منذ أسابيع، بمبادرة من السفارة البريطانية وتنظيم «زيكو هاوس». بعد عرضها في «خان الإفرنج» في صيدا، و«قهوة عزمي» في طرابلس، و«المركز الإسلامي» في جامع عائشة بكار، ها هي صور البريطاني بيتر ساندرز تحط رحالها في هنغار «أمم» في حارة حريك لتشكّل المحطة الأخيرة من جولة المعرض الذي يُختتم غداً.
هذه الصور «تدحض الانطباع السيئ والخاطئ عن عدم اندماج الجاليات المسلمة في المجتمع البريطاني» على حد تعبير الملحقة الإعلامية في السفارة البريطانية عبير برير. يندرج المشروع إذاً ضمن المسألة الشائكة التي تشغل العالم الغربي اليوم: ما هي مكانة الآخر المختلف، وهو هنا المسلم، في المجتمعات المتطوّرة التي ربطت صورته بالإرهاب منذ صدمة 11 أيلول (سبتمبر).
التأكيد على اندماج المسلم في المجتمع البريطاني، يبدو الهاجس الأول لمعرض بيتر ساندرز، ولهذا ربّما يخلو كتيّب المعرض من أي نبذة عن المصوّر، بينما يغوص في جميع الدراسات والاحصائيات التي تتناول المسلمين وحياتهم في بريطانيا.
هكذا، تلاقى الهدف الاستراتيجي لوزارة الخارجية البريطانية مع عدسة بيتر ساندرز التي جذبها «نور الإسلام» منذ عقود. وقع اختيار الوزارة على آخر معارض المصوّر البارز، حول «فنّ الاندماج» الذي احتضنته غاليري «ريتش ميكس» اللندنية أخيراً وارتأت أن يجول على سفاراتها في مختلف البلدان الإسلامية، بعنوان آخر هو «المسلمون في بريطانيا».
وإن أكّدت مجموعة ساندرز على شيء، فعلى ما ورد عن لسانه في أحد الأحاديث الصحافية: «عملي في التصوير ليس سوى امتداد لحياتي». هذه الحياة زاخرة بالتحولات، بدأها بالتقاط صور مشاهير الروك في الستينيات من جيمي هاندريكس إلى بوب ديلان وجيم موريسون، وصولاً الى فرقة الـ«رولينغ ستونز». إلا أنّ تلك المرحلة المحمومة بشعائر البوهيمية والدعوة إلى «ممارسة الحب لا الحرب» لم تتركه مخدّراً على العشب في «هايد بارك»، بل أدخلته في رحلة روحانيّة للبحث عن الذات. فكانت الرحلة إلى الهند هي المحطّة الأولى، احتكّ خلالها بمسلمين وبوذيين وهندوس. إلا أنّ الديانة الإسلامية هي التي استحوذت على اهتمامه. هكذا، أشهر إسلامه ليصبح «عبد الرحيم» أول مصوّر غربي يصوّر مراسم الحج عام 1971. منذ ذلك الوقت، قام ساندرز بأسفار إلى مناطق كثيرة، بحثاً عن «روح الإسلام» كما سمّاها. وتمكّن من جمع أرشيف ضخم (120 ألف صورة) التقط فيه ملامح المجتمعات الإسلامية التقليدية والمرحلة الانتقالية التي تمرّ بها. تهدف صوره التي نشرتها مجلات أجنبية متعددة كالـ«تايم» والـ«صنداي تايمز» إلى تقديم الإسلام بأسلوب إيجابي.
لم يكن مستغرباً إذاً أن تلتقي صور ساندرز مع التوجّهات الثقافية للسفارة. فهي تنطوي على نظرة حالمة، تشعّ منها الألوان الصافية والهادئة برومانسية استشراقيّة أحياناً. بورتريهاته لمواطنين بريطانيين من أصول مسلمة، تكسر بشكل ما الصورة النمطية عن المسلم المقيم في مجتمع غربي: الفنانة كريمة التي ترتدي النقاب تبرّج وجه عارضة الأزياء تانيا ماك نايت. الفيزيائي وخبير إدارة النزاعات شيزاد عابدي يتصفح كتاباً خلال فترة الاستراحة أمام معمل للطاقة في منطقة أوسكموث. هؤلاء وكثيرون غيرهم هم أحفاد عائلة «كونيّة» كما يسمّيها ساندرز، أفرادها إنكليز وماليون ومصريون... وأختان محجبتان تعملان في مجال خياطة الأزياء.
وتقابل هذه الصور لمسلمين مندمجين في الحضارة الغربية، صورٌ لإنكليز متفاعلين مع الحضارة الإسلامية، فتتصدّر صورة الممثلة البريطانية إليانور وهي ترتدي حجاباً على صورة علم بريطانيا.
أما احتضان بريطانيا لمسلميها، فيظهر في صورة للأمير تشارلز خلال زيارة مدرسة الموسيقي البريطاني كات ستيفنز الذي تحوّل اسمه بعد إشهار إسلامه إلى يوسف إسلام. أما صورة إمام منطقة غولدينغ الواقف في بهو الكنيسة بعد دعوته لتأدية الأذان خلال فترة الصمت التي تخلّلت قداس السلام عام 2005 في كاتدرائية ساليزبيري، فتحمل دعوة مباشرة للتسامح ووحدة الجوهر الروحي أمام الاختلافات الثقافية.
لا شك في أن صور ساندرز تعكس وجهاً من وجوه الواقع، وربّما الواقع المشتهى... لكن هل تعكسه كاملاً؟ يبقى السؤال مطروحاً. ويطرح السؤال عن العلاقة بين المقاربة الإبداعيّة، والتوظيف السياسي لها... وإذا كانت مبادرة السفارة البريطانية تستحق الثناء في تأكيدها للتفاعل الحضاري بين المسلمين في بريطانيا والمجتمع الذي يعيشون فيه، فإن هناك وجوهاً قاتمة للحقيقة نفسها ما زالت تنتظر من يلتقطها بعدسته، ومن يبادر إلى عرضها طبعاً.