محمد عبد الرحمن
حين يمرّ عمر الشريف على الجمهور العربي مرور الكرام، ويستقبل المشاهد أسامة أنور عكاشة ببرودة، فيما يتثاءب عند متابعة «عمارة يعقوبيان»... أما زال النجوم وحدهم يصنعون مسلسلات ناجحة؟

عندما يعلن صنّاع الدراما إنتاج عشرات المسلسلات سنوياً، يعرف الجميع أن عدداً محدوداً منها فقط سيحظى بالاهتمام، وعدداً أقلّ قد يجد فرصته في العرض الثاني بعد رمضان. لكن القاعدة شهدت هذا الموسم الكثير من الاستثناءات، والإخفاق لم يكن من نصيب مسلسلات أنصاف النجوم وشركات الإنتاج الصغيرة، بل على العكس. لقد رسبت في الامتحان أعمال، كان الجمهور ينتظر أن تثير الجدل. وبينما حظيت أثناء التصوير بحملات دعاية مكثّفة، لم يعرف بعضهم أنّها تعرض أصلاً على الشاشات العربية. هكذا تشكلت هذا الموسم قائمة للخاسرين... ويكفي أن تتضمن هذه اللائحة اسمي عمر الشريف وأسامة أنور عكاشة، ومعهما للمرة الأولى رواية «عمارة يعقوبيان»، لندرك حجم المتغيرات في خريطة دراما رمضان.
يوم أعلنت شركة «كينغ توت» للإنتاج أنّها ستقدم رواية علاء الأسواني الشهيرة «عمارة يعقوبيان» على الشاشة الصغيرة، توقّع المتابعون أن يقارن الجميع بين المسلسل والفيلم الذي حقق نجاحاً كبيراً. لكن المفاجأة كانت في فشل العمل التلفزيوني على الأصعدة كافة. ظهرت «العمارة» على الشاشة مهزوزة، فلم ينجح زكي الدسوقي (عزت أبو عوف) وشقيقته دولت (لبنى عبد العزيز) ومعهما الحاج محمد عزام (صلاح السعدني) في الصمود أمام «حمادة عزو» و«سعد الدالي» و«الدكتورة عبلة» و«الملك فاروق». لماذا؟
في اتصال مع «الأخبار»، أكد الناقد رفيق الصبان أنّ المُشاهد افتقد عنصر التشويق، نتيجة كثرة الحديث عن العمارة في وسائل الإعلام. وعرضت الفضائيات الفيلم قبيل رمضان بأيام، وبالتالي بحث المسلسل عن متفرج لم يكن قرأ الرواية أو شاهد الفيلم، وهي مهمة مستحيلة، في ظل وجود مسلسلات أخرى مليئة بالنجوم. وذلك بخلاف «العمارة» التي عانت أزمة في اختيار الممثلين، وحذف عاطف بشاي لمعظم المواضيع الحساسة (الجنس، السياسة والدين)، تجنّباً لغضب الرقابة. ومع ذلك، يرى الصبان أن العمل حمل على الصعيد الدرامي الكثير من الإيجابيات، لعلّ أبرزها طريقة عرض الشخصيات وعمقها مقارنة بالفيلم. لهذا يطالب بإعطاء المسلسل فرصة ثانية بعد رمضان. أما الناقد رؤوف توفيق، فيرى أنّ المؤلف عاطف بشاي بذل جهداً كبيراً في تقديم يوميات الشارع المصري عبر حلقات المسلسل، لكنّ عدم عرضه على التلفزيون الأرضي، على رغم موافقة الرقابة على النص قبل التصوير، أثّر في متابعة الجمهور المصري له. كذلك انتقد توفيق عدم الاهتمام بالتصوير الخارجي في مواقع الأحداث الحقيقية، بعكس ما حدث مع الفيلم. وقد جاءت المشاهد في المسلسل باهتة لأن الجمهور يميز بلاتوهات مدينة الإنتاج الإعلامي بسهولة، وهي أزمة عامة تعيشها الدراما المصرية التي تلجأ إلى الديكورات المعدة مسبقاً، بسبب ضيق الوقت والرغبة في التوفير المادي.
يُذكر أنّ «عمارة يعقوبيان» كان معداً للعرض في 2008، وشجع على ذلك اعتذار أكثر من مخرج قبل تولي أحمد صقر المهمة. وقد انتقل مباشرة إلى «العمارة» بعد انتهاء تصوير مسلسل «نقطة نظام»، ما انعكس على عدم الإعداد الكامل للعمل، لكنّ المؤلف عاطف بشاي أرجع فشل المسلسل فقط إلى مشكلة العرض، ووصف المحطات التي اشترته مثل «الغد» و«الساعة» و«المستقبل» بأنها مجهولة من الجمهور المصري، علماً أنّ «المستقبل» تعرض أيضاً «يتربى في عزو» الذي حقق نجاحاً في مصر. والمفارقة أن العملين من إنتاج شركة واحدة هي «كينغ توت». وحاولت «الأخبار» الاتصال بعلاء الأسواني، لكنه في فرنسا حالياً حيث تقام حفلة خاصة بروايته الجديدة «شيكاغو». وهو حضر قبل أسبوع ندوة عن المسلسل، ما يشير إلى عدم اعتراضه على مستوى العمل، وخصوصاً أنه أعلن مراراً أنه مسؤول فقط عن الرواية.
في مسلسل «حنان وحنين»، بدا عمر الشريف كأنّه أراد تقديم رسالة حبّ إلى مصر عبر مسلسل تلفزيوني لا مؤتمرات صحافية. وهو لم يجد غير مديرة أعماله إيناس بكر لتصيغ هذه الرسالة فنياً لكونها الأقرب لما يدور في عقله. من هنا، خرج المسلسل كقصيدة شعرية لا تهتم بالدراما بقدر ما تحرص على سرد النص المكتوب.
الحديث عن «حنان وحنين» بدأ قبل ثلاث سنوات، بعد مدّ وجزر وانسحاب مخرجين واعتذار نجوم، وانطلق أخيراً مطلع العام الحالي. استمر التصوير لفترة طويلة، تردد وقتها أنّ عمر الشريف يعاني متاعب السن، ما يبطئ من معدلات الإنجاز، لكن متابعة حلقات قليلة من المسلسل، تؤكد أن الشريف كان الأفضل بين فريق العمل. لا يزال يتمتع بقدرة كبيرة على التركيز واللياقة الفنية، إذا ما قورن بصديق عمره أحمد رمزي الذي وافق على المشاركة ليرضي صديقه. وإلا فلماذا قبل أن يظهر في كل المشاهد جالساً وراء مكتب؟ أما نجوم جيلي الوسط والشباب، فلم يستطيعوا إنقاذ العمل، باستثناء سوسن بدر وسميرة عبد العزيز. وكان الممثل الشاب أحمد عزمي صريحاً عندما قال لـ«الأخبار» إن كل الأبطال شاركوا في المسلسل ليسجلوا تجربة تمثيل مع عمر الشريف، لكن التفاهم في موقع التصوير كان معدوماً، وأي حرف ينساه الممثل، يغضب إيناس بكر، فتطالب بإعادة التصوير، إذ هي أيضاً المؤلفة الحريصة على كل كلمة كتبتها.
المسلسل لن يؤثر حكماً في تاريخ عمر الشريف، بل على العكس، وهو الذي قال بكل احترافية: «لو لم يقبل التلفزيون المصري عرض «حنان وحنين» فالخطأ سيكون في المسلسل لا لجنة الاختيار». لكن التلفزيون وافق على العرض، وفتحت محطات عديدة أبوابها للنجم العالمي الذي عاد إلى المحلية بدافع الحنين إلى مصر. بيد أن النوايا الطيبة وحدها لا تصنع مسلسلاً جيداً.
عندما راهن المنتجون مع الفضائيات على هدم سياسة الحصرية هذا العام، كانوا على يقين بأن الجمهور لم يعد يبحث عن قناة بعينها ليستمتع بالمسلسل المفضل لديه. صحيح أنّ «قضية رأي عام» كسر القاعدة، إذ عرض أيضاً على الأرضية المصرية وart المشفرة وشاشة «دبي».
على رغم ذلك، لم يتوقع أحد «التجاهل» الذي تعرض له عمل ضخم مثل «المصراوية»، الذي يحمل توقيع أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ. ذلك العمل الذي سيختتم به عكاشة مسيرته الفنية، ويمتد إلى أجزاء، لم يشجع الجمهور منذ البداية على حفظ مواعيد عرضه على «دبي». لكن التوقيت ليس المتّهم الوحيد، فالعمل الذي نال إشادات النقاد، أخفق في جذب نجوم، يذكّرون الجمهور بـ«ليالي الحلمية» و«الشهد والدموع». وعندما يكون العمدة فتح الله هو هشام سليم، يصبح منطقياً أن يكون غريمه وائل نور الذي تراجعت نجوميته منذ زمن. فكيف سيصمد المسلسل، وفي الذاكرة يحيى الفخراني وصلاح السعدني، نجما «ليالي الحلمية»؟ لكنّ النقاد يتوقعون نجاح المسلسل الذي يروي تاريخ مصر الحديث بعد رمضان، علماً أنّ التلفزيون المصري رفض عرض المسلسل أرضياً لأسباب مادية، كما صرح أسامة أنور عكاشة. هذا المؤلف الذي أدرك أنّ الزمن تغيّر وأنّ اسمه في مقدمة المسلسل لم يعد كافياً لجذب المسؤولين في ماسبيرو.

«عمارة يعقوبيان»: 22:30 على «المستقبل»
«المصراوية»: 23:00 على «دبي»
«حنان وحنين»: 20:30 على قناة «سين»