القدس المحتلة ــ نجوان درويش
حملة عالميّة لمقاطعة «الاحتفال العالمي للسلام»
عاد شبح التطبيع الثقافي ليطلّ برأسه عشيّة «مؤتمر الخريف» عبر «الاحتفال العالمي للسلام» المنوي تنظيمه، يوم 18 الجاري، في تل أبيب وأريحا. وراء المبادرة رجل أعمال أميركي صهيوني، يؤمن بقدرة «البزنس» على حلّ الصراع. لكن «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية» بالمرصاد!

لا بد من بعض الخيال الهوليوودي لاستيعاب «الاحتفال العالمي للسلام» الذي سيقام في تل أبيب وأريحا في 18 الشهر الحالي بدعوة من مؤسسة One voice الأميركية ويأتي تتويجاً لحملة «مليون صوت لإنهاء الصراع».
تتجلّى الطريقة الهوليوودية في استعمال النجوم و«الإنتاج الضخم» والحصول على مباركة «أسماء كبيرة» لا أحد يعرف حقيقة دعمها المزعوم لهذه الفعالية (تذكر أسماء مثل ملكة الأردن السابقة نور الحسين ودنيس روس كرؤساء فخريين للحملة). و«الاحتفال العالمي للسلام» يقام بمشاركة فنّانين من العالم مع مغنين إسرائيليين وفلسطينيين. تتوزّع «الاحتفالات» بين أريحا (الشقّ العربي) وتل أبيب (الشقّ الاسرائيلي)، وستنقل على شاشات مفتوحة في لندن وواشنطن وأوتاوا.
لوهلة فوجئنا بخبر مشاركة المغنّي العراقي إلهام المدفعي ونجم الروك الكندي براين آدمز، لكن سرعان ما أعلنا انسحابهما تحت ضغط «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» التي أصدرت بياناً أوضح الخلفيات الحقيقية وراء «المساعي النبيلة» المعلنة لهذه الاحتفاليّة التطبيعيّة...
وراء هذه المبادرة التي شغلت الأوساط الفنية والإعلاميّة، مؤسسة One voice. ويقول القيّمون عليها إن سعيد مراد، منتج «فرقة صابرين» (المتوقفة حاليّاً)، هو مَن قدّمهم للفنان إلهام المدفعي! لكن ما هي هذه المؤسسة وما هي أهدافها؟
مؤسس «صوت واحد» ورئيسها دانييل لوبتزكي هو رجل أعمال أميركي يهودي (1968)، لا يخفي «إيمانه القوي بإسرائيل كجنّة آمنة لليهود»، يقدّم نفسه كابن ناجٍ من «الهولوكست». ويقول في حوار معه «حب والدي لإسرائيل كان العنصر المؤثر في حياتي». بعد «أوسلو»، أسّس شركة اسمها PeaceWorks (1994) ثم تفرعت عنها One voice. فاز بـ«جوائز سلام» بينها جائزة «الملك حسين الإنسانية للقيادة» (2005.). لكنّ «معجزة» لوبتزكي هي إيمانه بقوة «البزنس» في حلّ الصراعات! حتى إنّ أطروحته الجامعية كانت بعنوان «تأثير العوامل الاقتصادية في حلّ الصراع العربي ــــ الإسرائيلي»!
هكذا تدار السياسة هنا بذهنية هوليوود يخوضها رجال أعمال وانتهازيون محلّيون، وفنانون يضعفون أمام إغراءات مالية وترويجية! أمّا المشرف على الاحتفالية من الجانب الفلسطيني، أي في أريحا، فهو جورج إبراهيم صاحب «مسرح وسينماتيك القصبة» في رام الله. وقد خاض مشاريع إسرائيلية ــــ فلسطينية مشتركة، وكان قبلها مقدم برامج في التلفزيون الإسرائيلي. ويمكن المرء أن يتساءل عن سبب تركيز «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» على الفنّانين المشاركين في الاحتفاليّة، بينما تتجاهل دور جورج إبراهيم علماً بأنّه يبذل قصارى جهده لمحاولة إقناع الفنانين المتردّدين بعدم الانسحاب من الاحتفال!
أمّا الفنّانون الذين أُعلنت أسماؤهم كمشاركين في «الاحتفال»، فبدأوا بالانسحاب بعدما أعلن المدفعي وآدمز انسحابهما، على رغم الحديث عن مبالغ كبيرة دفعت عند توقيع العقود. وإنّ بعض المشاركين يحظى بشعبية، كان أساسها سمعة المقاومة مثل فرقة «دام» لموسيقى الراب التي يتوقع انسحابها من المشروع. أما فرقتا «الأصايل» و «سماح»، فلم يتبين موقفهما النهائي. في حين أنّ الفنانين جميل السايح وريم تلحمي انسحبا، فالمشاركة تبدو انتحاراً أخلاقياً بعدما بدا أنّ هدف إحضار الفنانين هو استغلالهم سياسيّاً. ويضاف إلى ذلك، التعامل الاستشراقي مع الفلسطينيين: كأن تُقدَّم فتاة فلسطينية من عكّا ستشارك في الاحتفال كمغنية «إسرائيلية» وتوصف بأنّها «فيروز الإسرائيلية» و... «مسيحية من قرية عبلّين»!
ويعكس بيان المقاطعة الذي أصدرته «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية»، مزاج الشارع الفلسطيني إلى حدّ بعيد. ويدعو إلى «مقاطعة هذا الاحتفال التطبيعي الذي يعبّر عن برنامج سياسي خطير يضر بمصالحنا الوطنية ويتناقض مع القانون الدولي». وقد نبّه إلى الغش في لغة الدعاية بين الإنكليزية والعربية التي اتبعتها One Voice. فبينما يتم الحديث بالإنكليزية عن «التطرف العنيف»، يتحدّث موقع المؤسسة نفسها ــــ ولكن باللغة العربية ــــ عن «إنهاء العنف والاحتلال والإرهاب التي ظلت تعرّف حياة الإسرائيليين والفلسطينيين».
وتحت عنوان «احتفال سلام أم تطبيع؟ قاطعوا احتفال 18 أكتوبر في أريحا وتل أبيب!»، يلخّص البيان أسباب مقاطعة المشروع منها أنّه ينبغي للمشاركين أن يوقّعوا «على برنامج المؤسسة السياسي (المنشور باللغة الإنكليزية فقط)، الذي يُحمّل الفلسطينيين والإسرائيليين مسؤولية متساوية عن الصراع، ولا يدعو إسرائيل إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والاحترام الكامل للقانون الدولي، عبر تفكيك الجدار وإنهاء احتلالها لكلّ الأراضي العربية والاعتراف بحقوق اللاجئين وعلى رأسها حق العودة، وإنهاء التمييز العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية». ويعتبر البيان أن الشخصيات الفلسطينية التي تدعم «الاحتفال»، يعود موقفها إلى «جهل بالأجندة السياسية لهذا التيّار، أو إلى رغبة بتحقيق مكاسب ضيقة مقابل التنازل عن الحقوق الوطنية ».
ولا يذكر البيان أسماء هؤلاء، لكنّ القائمة كما يعرضها موقع One Voice طريفة من جهة، وتثير الاستهجان من جهة أخرى. إذ نجد في «مجلس المستشارين الفخري» ــــــ الذي يحوي 40 عضواً ـــــ زهيرة كمال وقاضي القضاة الفلسطيني تيسير التميمي مع جنرالات إسرائيليّين وأعضاء في «حزب شاس»، وسياسيين أميركيين كمارتن إنديك، وأعضاء كنيست عرب، و... الملاكم السابق محمد علي كلاي! طبعاً رئيس السلطة محمود عباس نفسه يُستعمل اسمه كـ«راعي الحملة». وهناك نجله ياسر محمود عباس الذي يرد كعضو في «مجلس أمنائها»، مع «رجال أعمال» إسرائيليين وفلسطينيين، لا بد أنّ في المسألة تضليلاً تعرّض له بعضهم وسط هذا «البزنس»... وعلمت «الأخبار» من فنانين مدعوين للمشاركة، أن الإغراءات المادية كبيرة! ومع ذلك فالسؤال هو: هل سيبقى أي من الفنّانين الفلسطينيين أو العرب في هذه المهزلة الخطيرة، يوم 18 أكتوبر ليصدح «باعتدال» أمام الكاميرات في محفل «المعتدلين» في أريحا وتل أبيب؟ ومن أين سيحصل «المعتدلون» على فنانين «معتدلين» يقبلون الغناء في «احتفالهم العالمي الغنائي، لحل الصراع دفعة واحدة ـــــ كاش»؟!

موقع «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية»: www.PACBI.org