strong> عثمان تزغارت
كيف تآمر صقور البيت الأبيض ومؤيّدوهم في تيار المحافظين الجدد لتبرير الحرب على العراق، عبر شنّ حملة واسعة من التلفيقات والأكاذيب الإعلامية الهادفة بشكل عمدي إلى مغالطة الرأي العام الأميركي والعالمي؟
ذلك ما يتناوله مايكل كيرك في شريطه التوثيقي «الولايات المتحدة ـــــ العراق: الوجه الخفي للحرب» الذي تعرضه Arte هذا المساء، ضمن برنامج «سهرات الأربعاء المخصصة للتاريخ».
يعتمد هذا الشريط على شهادة غير مسبوقة لأحد كبار كوادر «سي آي إيه» الذين شاركوا في مؤامرة الترويج لحرب العراق: بول بيلار الذي قدّم استقالته بعد ذلك بأشهر. أمام كاميرا مايكل كيرك، يعترف بيلار بالذنب ـــــ للمرة الأولى ـــــ قائلاً: «نعم، لقد حدث كل ذلك بالفعل... الأكاذيب المتعمدة حول أسلحة الدمار الشامل وغيرها، كانت تندرج ضمن مؤامرة لتبرير شنّ الحرب. وأنا نادم شديد الندم، لأنني شاركت في تلك المؤامرة».
ينطلق مايكل كيرك من اعترافات بيلار، ليستعيد المؤامرة بكل تفاصيلها وأسرارها، منذ أن اختمرت الفكرة في ذهن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ساعات قليلة بعد انهيار برج مركز التجارة العالمي في نيويورك، إلى غاية دخول الدبابات الأميركية بغداد، بعدما سبقتها حملة مغالطة إعلامية على الصعيد العالمي، تعدّ الأوسع والأخطر في التاريخ المعاصر.
بدأ كل ذلك ليلة 11ـــــ12 أيلول (سبتمبر) 2001، في مطعم صغير في العاصمة واشنطن. بعد ساعات قليلة من هجمات 11 أيلول. وبينما كان يتناول العشاء برفقة مجموعة من مساعديه، أخرج ديك تشيني قلمه من جيبه، وشرع فجأة في تدوين كلمات غير مفهومة على السفرة الورقية الموضوعة أمامه على مائدة العشاء. وتبيّن لاحقاً أنه كتب التالي: «يجب أن نحاول إصابة SH أيضاً وليس UBL وحده». كان المقصود بـ SH صدّام حسين، وأما UBL فهو أسامة بن لادن!
أراد ديك تشيني استغلال الصدمة العالمية التي سبّبتها هجمات 11 أيلول، كي يصفّي حساباته القديمة مع نظام صدام حسين. وبالتحالف مع دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع آنذاك، أنشأ «خلية سرية»، كان دورها تزويد المسؤولين الأميركيين والحكومات الحليفة ووسائل الإعلام بتقارير ومذكرات سرية تهدف جميعها إلى الترويج لوجود صلات سرية بين «القاعدة» والنظام العراقي، وبالتالي إثبات أنّ صدام حسين كانت له يد غير مباشرة في هجمات 11 أيلول. لكن تلك الحجج لم تلق الصدى والصدقية المأمولين، ما دفع بالثنائي تشيني ـــــ رامسفيلد إلى تغيير استراتيجيتهما الهادفة لإسقاط النظام العراقي، فطرحا جانباً «الأدلّة» المزعومة بخصوص وجود صلات إرهابية بين صدام حسين وأسامة بن لادن، وشرعا في حملة مغالطة جديدة تتعلق بأسلحة الدمار الشامل. أدت تلك «الخلية السرية» التي تأسست غداة هجمات 11 أيلول، الدور المركزي في تلفيق الأدلة والوثائق بخصوص برامج التسليح العراقية. وكانت بين تلك التلفيقات، «الأدلة» التي استعملها وزير الخارجية كولن باول ـــــ من دون أن يعلم أنّها ملفّقة ـــــ في خطابه الشهير أمام مجلس الأمن. وبينها أيضاً، التقرير المطوّل الذي قدمه البيت الأبيض إلى الكونغرس، وعلى أساسه، حصل على الضوء الأخضر لشن الحرب على العراق بشكل أحادي الجانب، بعدما لم تفلح مساعي باول في حشد تحالف دولي في مجلس الأمن لتأييد ضرب العراق.
خلافاً لما هو رائج، فإن أغلب أقطاب الإدارة الأميركية غير المنتمين إلى تيار المحافظين الجدد، مثل كولن باول وكوندوليزا رايس والرئيس بوش ذاته، لم يكونوا مشتركين في عمليات المغالطة وتلفيق الأدلة والتهم ضد العراق، بل كانوا بدورهم ضحايا لتلفيقات ومغالطات الصقور المقربين من نائب الرئيس ديك تشيني.
لكنّ الشريط يكشف ـــــ بفضل اعترافات بول بيلار ـــــ أن شخصية من خارج تيار المحافظين الجدد، أدت دوراً مفصلياً في إعطاء الصدقية لتلك الحملة من المغالطات. إنه مدير «سي آي ايه» جورج تينيت، ويعترف بيلار بأنّ تينيت كان على علم كامل بأن «الأدلة» المقدّمة من فريق المستشارين المقربين من تشيني، كانت ملفقة. لكنه تستّر على الأمر، وتواطأ معهم خشية فقدان منصبه مديراً لـ«سي أي إيه»!

21:40 على ARTE