نجوان درويش
لعلّ «الحبّ مع فارق السن» من الأمور الصغيرة اللافتة في حياة كاتبة معمّرة وغزيرة الإنتاج كدوريس ليسينغ التي عرفت كروائية، وطالما شعرت أنّ الكتابة تشبه نوعاً من العصاب لا يستطيع فيه الكاتب التوقف عن الكتابة. ابنة الثامنة والثمانين جاءتها «نوبل» وهي تتسوّق في شوارع لندن لتصبح أكبر الفائزين سنّاً بهذه الجائزة المرموقة. وفارق السن في الحبّ هو أحد الموضوعات اللافتة في أدب الإنكليزية العجوز. لكنّ الفارق هنا لمصلحة المرأة لا الرجل، وهي لم تعتبر الأمر غريباً بقدر ما كانت تستغرب نظرة المجتمع الذي يجيز لفتاة شابة إقامة علاقة مع رجل أكبر منها باعتباره ناضجاً؛ في حين ينظر بريبة عندما تكون المرأة هي الأكبر.
بعد رحيل الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس، كتب آخر عشاقها، وهو شاب لم يتعدّ الثلاثين، عن علاقة حسّية مع عاشقة صعبة المراس تجاوزت السبعين من عمرها! كانت مارغريت تطرده أحياناً في نزوات غضبها وتعيده بمزاجية متى شاءت. ولقد بدت تلك العلاقة عند كشفها أمراً مستغرباً. ولعل «خبطة» الكتاب ـــــ بالإضافة إلى تناوله كاتبة شهيرة ـــــ هو أنّ العلاقة كانت بين شاب وامرأة من عمر جدّته. في حين لم تواجه سيرة فرنسواز جيلو «حياتي مع بيكاسو» استغراباً مماثلاً رغم أنّها روت علاقة بين شابة وعشيق مسنّ أكثر شهرة من دوراس. ولا يعود ذلك إلى كون علاقة بيكاسو وفرنسواز علنيةً، وعلاقة مارغريت دوراس وصاحبها غير معلنة؛ بقدر ما يعزى إلى أنّ فارق السن في العلاقة الأولى كان لمصلحة الرجل! هذه فرضية كانت ستؤيدها ليسينغ بلا شك وقد كرست جزءاً من أعمالها لهذه لفكرة. أي العلاقات بين شبان لا تنقصهم الوسامة والفرص، لكنّهم يغرمون بنسوة خمسينيات وستينيات وسبعينيات. والغريب أنّ فكرة كهذه لا تعود إلى عمر الكاتبة ومواصلتها الحب والكتابة بوتيرة واحدة حتى بعدما تجاوزت الثمانين؛ لكنّها حاضرة في كتابتها منذ وقت مبكر. ففي مجموعتها الشعرية «أربع عشرة قصيدة» (1959) نقع على قصيدتين تتناولان هذا الموضوع وكانت الكاتبة لم تكن تتجاوز منتصف الثلاثينيات بعد. ككاتبة «نسوية» على طريقتها، يبدو الحبّ مع شريك أصغر سناً منها من اختراقات ليسينغ الأساسيّة لنمط علاقة الحب المحكومة بمفاهيم ذكورية عن جسد المرأة و«تاريخ صلاحيته» في الغرب كما في الشرق... وإن كان بعضهم ذهب إلى أنّ ليسينغ سحبت مفاهيم ذكورية على ذاتها وعلى بعض شخوص رواياتها من النساء.