جاءت المفاجأة من حيث لا يتوقّعها أحد. فازت آن إنرايت (1962) أول من أمس، بجائزة «بوكر» (72 ألف يورو) عن روايتها الرابعة «لمّ الشمل» (The gathering ـــــ دار «جوناثان كايب») التي تروي ملحمة عائلية على مدى ثلاثة أجيال. لم تأت الجائزة إذاً من نصيب البريطاني المخضرم إيان ماكيوان، ولا النيوزيلندي لويد جونز اللذين كانا أبرز المرشّحين حظاً للفوز بهذه الجائزة الأدبية المرموقة. أمّا الباكستاني محسن حميد، فقد مرّ اسمه مرور الكرام، فيما توقع بعض النقاد أنّ وقع فوزه المحتمل كان سيعيد إلى الأذهان اسم سلمان رشدي الذي لم يكن يتمتع بشهرته الحاليّة حين فاز بالبوكر عام 1981 عن روايته «أولاد منتصف الليل».لكنّ التاريخ يعيد هنا نفسه بشكل آخر، مع فوز الإيرلندية آن إنرايت بـ«بوكر» 2007... فسرعان ما استعاد الإعلام فوز مواطنها جون بانفيل ببوكر، قبل عامين، فإذا بأرفع الجوائز الأدبية في بريطانيا تخرجه من عزلته الإيرلندية وتشرّع له أبواب الشهرة على مصاريعها. وإنرايت قد لا تكون مغمورة تماماً، لكن الجائزة ستنقلها بطبيعة الحال من موقع الى آخر، على مستوى الشهرة والانتشار في بريطانيا. منذ أن تفرّغت للكتابة، أطلّت من خلال منابر ثقافية عدة، بينها «نيويوركر»، ونشرت قصصاً قصيرة وأربع روايات حتى الآن، أوّلها «عذراء الجيب» (1991) التي حازت جائزة «روني» الإيرلندية الأدبية.
رواية «لمّ الشمل» التي اختارتها لجنة التحكيم بالإجماع، وصفها هاورد دافيس، رئيس اللجنة، بأنّها «مزعجة وغاضبة. فيما لا تتوانى إنرايت عن التعامل مع أسرة ثكلى بلغة عنيفة وأخّاذة». التاريخ، أي الماضي، هو العنوان العريض لرواية إنرايت التي تكره العائلة. تروي «لمّ الشمل»، قصة أسرة مؤلفة من 12 من الإخوة، بينهم فيرونيكا الراوية التي تكره اسمها ، مع أنّ راهبة قالت لها إنّه اسم قديسة مسحت جبين المسيح خلال توجهه إلى الجلجلة. وتُفصح فيرونيكا باكراً للقارئ عن حقدها على التقاليد والمنظومة الاجتماعية والدين، بأسلوب ساخر ومرّ. وترى أن كثرة الإنجاب وباءٌ أشاعته الكاثوليكية، وهي التي أمضت طفولتها تراقب والدها يصلّي في الكنيسة، فيما كانت رغبته الزائدة بالإنجاب تنم عن «عجز ما».
تبدأ حبكة الرواية عندما ينتحر شقيق فيرونكيا. يومها، أثقل جيوب معطفه بالحجارة وانتحر غرقاً. هذه الحادثة تدفع فيرونيكا للعودة إلى بيت العائلة في دبلن، حيث سيلتم شمل الأسرة في ليلة واحدة تسهر فيها على جثمان الشقيق المنتحر قبل أن يوارى في الثرى. لكن تلك الليلة ستأخذ فيرونيكا في رحلة طويلة إلى الماضي، عبر ثلاثة أجيال، ستبدأها من الجدة لفهم سبب انتحار شقيقها: إنها عودة إلى الجراح التي لم تلتئم بعد، عملية تعمّد بالألم، علّ فيرونيكا تنعم بالخلاص.
ينأى أسلوب إنرايت عما هو عاطفي، ويتميّز ببرودة وبحسّ فكاهة يجاور الألم. كل هذا معطوف على مخيّلة واسعة لهذه الكاتبة التي ما إن فازت حتى أدلت بتصريح ناري: «أنصح القارئ الذي يريد من كتابي أن يرفع معنوياته، أن يفتّش عن رواية أخرى»!.