الرباط ــ ياسين عدنان
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة فورة صحافية لافتة. وبات القرّاء، من مختلف المرجعيات الفكرية والتوجهات السياسية، يجدون في الأكشاك المغربية ما يوافق هواهم. لكن، إذا كانت هذه الدينامية الإعلامية الجديدة قد لبَّت حاجة الديموقراطيين والليبراليين والاشتراكيين والماركسيين والإسلاميين والقوميين العرب والأمازيغ من العناوين الصحافية، فإن فئة مهمة من الشعب المغربي ظلّت محرومة، ولعقود طويلة، من منبر يمثّلها ويُعبّر عن تطلعاتها. الأمر يتعلّق بكتلة الانتهازيين التي تطوّع الصحافي المغربي عبد الرحيم التوراني للتعبير عنها، من خلال جريدته الأسبوعية الساخرة «الانتهازي». ويُبرِّر التوراني اختياره لهذا العنوان بأن «حزب الانتهازيين صار له موقع بالغ الأهمية في المغرب. لذا يجب أن تكون لهم جريدة تعرِّف بإنجازاتهم». هكذا تلتزم الصحيفة أن «تكون لسان حال الانتهازيين والانتهازيات كافة»، ويأمل رئيس تحريرها أن يُقبل هؤلاء على صحيفتهم، فهم يشكلون شريحة هائلة في البلد، والجريدة تراهن على دعمهم، المادي خصوصاً، للرفع من مبيعاتها وضمان معدل انتشار مرتفع. أما بالنسبة إلى المادة الإعلامية، فلا يخشى التوراني من ضُمورها، ما دام الانتهازيون ينتجون يومياً العديد من «الإنجازات» التي تحتاج إلى صحيفة يومية ساخرة لمتابعتها، وليس مجرد منبر أسبوعي.
ويحرر هذه الأسبوعية التي تصدر في 16 صفحة، وفق إخراج بسيط وتبويب رشيق متنوع، إلى جانب عبد الرحيم التوراني، ثلاثة من أبرز رسامي الكاريكاتور المغاربة: إبراهيم لمهادي، سعد جلال، وعبد اللطيف السيباري. الكاريكاتور حاضر طبعاً في أغلب صفحات الجريدة التي تفرد إضافة إلى ذلك، صفحة مستقلّة لأعمال الرسام الكاريكاتوري الشاب سعد جلال. ولأنه لا بدّ لكل صحيفة من إعلانات، فـ«الانتهازي» تخصّص أسبوعياً صفحة كاملة للإعلان التجاري. وفيها نقرأ مثلاً إعلاناً لوكالة تجارية متخصصة في استئجار الجماهير لمختلف المناسبات: أعراس، مآتم، مباريات رياضية، تجمعات حزبية، وحملات انتخابية. هناك أيضاً إعلان لمؤسسة «فساد ــــــ جينرال» المتخصصة في بيع وشراء الضمائر والأصوات الانتخابية والأجِنَّة والأرواح الحية. وآخر لوكالة «الزرزور» المتخصصة في توفير شهود الزور بأسعار مناسبة. أما الجلاد المتقاعد الحاج رؤوف عبد الحنين، فسينشر هو الآخر إعلاناً يعرض فيه على المنظمات الحقوقية تحفاً للبيع: مجموعة نادرة من أدوات التعذيب التي استُعمِلت في «درب مولاي الشريف» و«دار المقري» وغيرهما من المعتقلات السرية التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص.
وإذا كان صدور منبر خاص بحزب الانتهازيين قد تأخّر طويلاً، فإن لمناضلي هذا التنظيم السري آباء رمزيين، حرصت الصحيفة على تكريمهم والاحتفاء بذكراهم في عددها الثاني. الأمر يتعلّق بمجموعة من الخونة المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي. ولقد أعادت «الانتهازي» نشر وثيقة تضم لائحة بأسماء ثلة من هؤلاء كانت صحيفة «العلم»، لسان حال «حزب الاستقلال»، قد نشرتها في 4 أيلول (سبتمبر) 1957. ولا شك أن الانتهازيين سيجدون في هذه اللائحة ما يؤكد تجَذُّرَ حركتهم في المجتمع. وإذا كانت الدعارة أقدم مهنة في التاريخ، «فالانتهازية هي أول سلوك عرفه تاريخ البشر منذ أن أصبح الإنسان مُتكتّلاً في مجموعاتٍ ذات مصالح ومطامح»، كما تؤكد «الانتهازي» في افتتاحية عددها الأول.