بيار أبي صعب
«للتوّ مرّ أمامي رامبو/ بوجهه المقيت/ وعينيه الزائغتين/ لم أفهم شيئاً مما قرأت/ فريدا كاهلو تدق عظامي/ بأرجل من حديد/ وأمي تسأل/ عن موعد عودتي». تكتب زينب كمن يدوّن وقائع حياة عاديّة، حدثت قبل اليوم في الكتب والحكايات. لذلك يُهيأ إلينا ربّما أننا نعرف هذا الكلام. ارتطام رؤوس الخفافيش بالزجاج، سمعناه في قصيدة لبودلير. وحبل الأحلام الطويلة طالع من قصيدة للماغوط... لكنّنا هنا، وجهاً لوجه مع وجعها الخفي إذ تكشفه بخفر، مع دهشتها العابرة في نهاية الأمر، مع نَفَسِها الذي يسبغ على الفجيعة الخرساء هالة من العذوبة.
في مجموعتها الثانية «بوّاب الذاكرة الفظّ» (دار النهضة العربيّة)، تستعير زينب عسّاف مادتها من حنق ما على العالم، غير محدد الملامح، من غضب هادئ لا يؤدي إلى خصام مع الواقع، ومن سلّة ملأى بأصوات من رافقوها في القاطع الأول من رحلة طويلة ما زالت في بدايتها. يتسرّب الشعر (يترقرق) من نبع صغير في حديقة أليفة. الغرابة ليست سوى احتجاجات أنوثة خافتة تنتظر «أن يصمت العالم الآن» كي تحقق اغترابها. والصور المختزلة مقطوفة من مخيّلة تتمرّن (على الشعر؟) على إعادة ترميم المشهد الخارجي. والأحلام (مجدداً) ركام يصلح «لردم مدينة ووأد طفلة»... فـ«ما نفع قصيدة/ لا نموت بعدها؟». وهنري ميلر، مجرّد شاهد، بل رهينة معتقلة في قصيدة هايكو. أما القصيدة، فـ«صدفة مقدّسة»، تأليف بين تناقضات ومشاهدات وقراءات، خليط موضّب بعناية من الانطباعات والرؤى والصور التوثيقيّة. يبقى الحبّ: «بيت نربيه داخل النافذة/ مانعين الغرباء من التلصص». قوّة الشعر أنه يقول كل ذلك، «فقط لو كان للسماء أرصفة»!