محمد عبد الرحمن
راهن النقاد في رمضان المنصرم على عودة المسلسلات السياسية في حال نجاح «الملك فاروق»... وصحّت التوقعات: بعد الإعلان عن مسلسل «ناصر»، ها هو وليد يوسف يعيد أنور السادات إلى الشاشة، متوقفاً عند المحطات الشائكة في عهده. هل يكون العمل مجرّد استعراض أم قراءة نقديّة للتاريخ؟

في رمضان المنصرم، حقق مسلسل «الملك فاروق» نجاحاً جماهيرياً، ما يعني أن الطريق إلى الشاشة باتت مفتوحةً أمام فيلم «محمد علي»، أكثر من أيّ وقت مضى. وفي حين أعلن المؤلف يسري الجندي قبل أشهر تحضيره لمسلسل عن جمال عبد الناصر، ها هو أنور السادات يعود من باب الدراما في عمل يدور حول حياته من الطفولة إلى الزعامة وحتى الاغتيال...
بعدما أخفقت مسلسلات مشاهير الفن في تحقيق الصدى المرجوّ، وانهالت الانتقادات عليها من كل حدب وصوب، اختار مؤلفو الدراما الإبحار في التاريخ، وتسليط الضوء على الشخصيات التاريخية. هكذا قوبل مسلسل «الملك فاروق» للمخرج السوري حاتم علي بترحيب كبير، ما أجبر قناة «النيل للدراما» المصرية الحكومية على عرضه حالياً، بعدما خذل التلفزيون المصري مؤلفته لميس جابر وعلّق مسألة إنتاجه لسنوات... فتلقّفته يومها «أم.بي.سي» السعودية.
وفيما أعلنت جابر أن نجاح «فاروق» مهّد الطريق لتنفيذها فيلم «محمد علي»، أعرب المؤلف وليد يوسف أخيراً عن نيته تقديم مسلسل عن محمد أنور السادات. وقد شرع في تحديد خطوط العمل العريضة، بعدما اطمئن على نجاح آخر مسلسلاته «الدالي».
المهمة حكماً ليست سهلة: السادات ليس عبد الناصر. الرجل الذي وقّع أول معاهدة سلام مع إسرائيل، ما زال يثير الجدل حتى اليوم. ليس فقط على مستوى علاقات مصر الخارجية، في ما يتعلّق بزيارته إلى القدس، وما سجّلته من تبعات. لكن كثيرين يحمّلونه مسؤولية تصاعد قوة الجماعات الإسلامية التي اغتالته في يوم النصر عام 1981، إضافة إلى انتهاجه سياسة انفتاح اقتصادي، لم تحم الموارد الوطنية. لكن مؤيديه يكتفون «بنصر أكتوبر، وانفتاحه على الدول الغربية، وخصوصاً أميركا، للدلالة على إنجازاته». من هنا، يؤكد يوسف أنه سيقف بين التيارين، محاولاً تقديم شهادة درامية متوازنة. وهو الموقف نفسه الذي اتخذه أحمد زكي عام 2001، عندما قدم شريط «أيام السادات». حينها كتب زكي والمخرج محمد خان على بطاقات الدعوة: «نرجو عدم اصطحاب الأطفال والأفكار المسبقة». كانا يطالبان الجمهور بمتابعة عمل فني عن زعيم مصري، والاختلاف حوله كفيلم سينمائي لا ككتاب تاريخ، يسجّل واقعاً غير قابل للنقاش.
آنذاك، أعجب الجمهور ببراعة زكي في تقمّص شخصية السادات، ولم يتوقف طويلاً عند الأحداث السياسية، وخصوصاً أنّ الفيلم استعرض مشوار السادات عبر أكثر من خمسين عاماً. ولم يعطِ المشاهد فرصة تأمل الأحداث، بخلاف «ناصر 56» الذي قدم مئة يوم فقط من حياة جمال عبد الناصر. علماً بأنّ هناك شبه إجماع على أن قائد الثورة نجح سينمائياً أكثر ممن خلفه على رئاسة مصر وإن كان «المشخصاتي» واحداً هو أحمد زكي.
المفارقة تؤكد أن السادات ظهر على شاشة التلفزيون والسينما أكثر من عبد الناصر. كما جسد شخصيته ممثلون عدة، أبرزهم عبد الله غيث وأحمد عبد العزيز وجمال عبد الناصر (الممثل)، ومفيد عاشور، ومحمد نصر. أما آخرهم فهو أحمد عوض، ممثل مسرحي، استعان به وليد يوسف لأداء شخصية السادات في مسلسل «الدالي» لنور الشريف. ومع ذلك، تميّزت إطلالات عبد الناصر ببريق خاص. وقد جسّد دوره، بعد أحمد زكي، رياض الخولي في مسلسل «أم كلثوم» ومجدي كامل في «العندليب». وفي هذا المسلسل، حاول مدحت العدل أن يضاعف الخط الدرامي لناصر حتى يكون موازياً لصعود نجم عبد الحليم حافظ.
لكن ظهور السادات في «الدالي»، لم يكن شبيهاً بإطلالاته في المسلسلات الأخرى، أو مجرّد عنصر مكمّل للأحداث الدرامية. فالمؤلف ـــ كما قال لـ«الأخبار» ـــ مبهورٌ بشخصيته، سواء من الناحية السياسية، أو الإنسانية. ويوضح: «هي شخصية تستحق أن نسرد مواقفها الإنسانية والاجتماعية في مسلسلات عدة، لا في فيلم واحد». لهذا كان يوسف حريصاً في مشهد متخيَّل بين السادات والدالي (نور الشريف) على إبراز وجهة نظر الرئيس المصري من زيارته إلى القدس، وكيف أنه لم ينسَ ثأره من الإسرائيليين الذين قتلوا شقيقه في الحرب. وهي صورة، تمهّد ربما لطريقة معالجته شخصية الرئيس في المسلسل المرتقب، وخصوصاً أنّ ظهور السادات في «الدالي»، لم يكن له أيّ تأثير درامي واضح على الأحداث.
ويوضح وليد يوسف: «الشخصية التي قدمها ببراعة أستاذي أحمد عوض الذي تعلّمت على يديه في مسرح الثقافة الجماهيرية، تمثّل تمهيداً لمشروع ضخم من جزءين أسعى إلى الحصول حالياً على موافقة الأسرة للبدء الفعلي في تنفيذه. كما أعمل على استكمال الشهادات الشخصية، بعدما اطّلعت على كل الكتب الصادرة عن أنور السادات»، مؤكداً أن المنتج محمد فوزي صاحب «الدالي» أبدى حماسة للمشروع، لكن الاتفاق النهائي واختيار البطل ما زالا قيد الدراسة.
وفيما يعتبر يوسف موافقة الأسرة أمراً محورياً لبدء المشروع، كشف عن قلقه من مقاطعة بعض المحطات العربية للمسلسل، بسبب الخلاف بين السادات وبعض الأنظمة العربية، عقب توقيع اتفاقية السلام. وما ترتب على ذلك من مقاطعة مصر لفترة طويلة. لكنه يأمل في دعم التلفزيون المصري للمسلسل، على اعتبار أن السادات ليس «الملك فاروق»، وأن الرئيس مبارك أهدى أبطال الفيلم أوسمة خاصة بعد عرضه. لذا، يتمنّى أن يحصل المسلسل على الرعاية ذاتها.