طنجة ـــ ياسين عدنان
للمرة الثانية على التوالي، يحطّ «المهرجان الوطني للسينما المغربية» رحاله في مدينة طنجة. هذه التظاهرة السينمائية التي انطلقت شرارتها الأولى في الرباط عام 1982 وظلت تتنقل بين مراكش ومكناس والدار البيضاء ووجدة، بوتيرة متقطعة (بسبب ضعف الإنتاج السينمائي في المغرب خلال السنوات الأخيرة)، صارت اليوم تظاهرة أكثر احترافية بعدما تقرَّر تحويلها إلى موعد سنوي ينوي «المركز السينمائي المغربي» إرساءه في مدينة طنجة.
الدورة التاسعة التي افتتحت قبل ثلاثة أيّام في «سينما روكسي»، إحدى التحف المعمارية للزمن الكولونيالي الصامدة وسط «طنجة الدولية»، وتتواصل حتى 27 من الشهر الجاري، ستشهد منافسةً حادةً بين 25 فيلماً روائياً طويلاً مقابل 21 في الدورة الماضية (دورة «طنجة» ــــــ 2005)، و28 فيلماً قصيراً، اختيرت من بين 100 شريط أُنتجت في أقل من سنتين، ما يعكس دينامية الإنتاج الخاصة التي تشهدها السينما المغربية في الفترة الأخيرة.
كانت أمسية الافتتاح مناسبةً لتأكيد تشبّث السينما المغربية بعمقها الإفريقي، من خلال تكريم السينمائي السنغالي الراحل عثمان سيمبين (1923ـ 2007) الذي انطلق المهرجان بعرض فيلمه «مولادي» (2003). والشريط المذكور الذي أسهم في إنتاجه «المركز السينمائي المغربي»، كان فاز بجائزة لجنة التحكيم في دورة سابقة من «مهرجان مراكش». وتُعتبر هذه الالتفاتة التكريمَ الدولي الأول لهذا الروائي والمخرج السينمائي الكبير الذي يُعدُّ أحد صنَّاع مجد السينما الإفريقية، من موقعه معارضاً شرساً للمركزية الغربية، ودفاعه الإنساني العميق عن الخصوصية الثقافية للقارة السمراء. وبهذه الالتفاتة، تكون طنجة قد سبقت مهرجان «كان» الذي سيخصّص لعثمان سيمبين تكريماً خاصاً في دورته المقبلة.
تميّزت حفلة الافتتاح أيضاً بحضور المسرحية المغربية ثريا جبران في أول ظهور رسمي لها وزيرةً للثقافة. حضور ثريا جبران في «مهرجان طنجة»، تعدّى المشاركة في الافتتاح إلى «احتلال» شاشة «سينما روكسي» من خلال عرض فيلم «أركانة» للمخرج حسن غنجة. وهو الشريط الذي أدَّت فيه معالي الوزيرة دور البطولة متقمّصةً شخصيةً قروية أمازيغية صعبة المراس، لن تتردد في إطلاق النار بدم بارد على غريمها (حميدو بنمسعود) في نهاية الفيلم.
طبعاً ثريا جبران الآن وسط دائرة التنافس على جائزة أفضل ممثلة، ما سيجعل مهمة الفنان التشكيلي محمد المليحي رئيس لجنة التحكيم صعبة إلى حد ما، لكن لحسن الحظ أنّ لجنته تضم في عضويتها أسماء من خارج المغرب كالمخرج البريطاني كاريث جونز، والمنتج التونسي حسن دلدول، والناقد السينمائي الفرنسي غي بروكور. وهؤلاء سيقوّمون أداء ثريا الممثلة في المقام الأول... ولن يأخذوا في الحسبان موقعها كوزيرة للثقافة.
أما لجنة تحكيم مسابقة الفيلم القصير التي يرأسها المخرج كمال كمال، فقد سهَّل «المركز السينمائي المغربي» مهمتها عبر تكليف لجنة من النقاد باختيار 28 فيلماً فقط من أصل 110 من الأفلام القصيرة المنجزة بعد الدورة الثامنة التي كانت طنجة احتضنتها في كانون الأول (ديسمبر) 2005.
كثيرون يتوقعون من هذه الدورة أن تكون منعطفاً حقيقياً في تاريخ السينما المغربية... وخصوصاً إذا اتُّخذ خلالها قرار تنظيم المهرجان الوطني بشكل دائم في طنجة وفق وتيرة سنوية، تبررها الدينامية الجديدة التي شهدتها أخيراً حركة الإنتاج في المغرب (18 فيلماً في السنة). ولائحة الأفلام الـ25 المتنافسة على جوائز هذه الدورة كان يمكنها أن تناهز الثلاثين لولا تهرُّب نبيل عيوش من المشاركة بشريطه الجديد «ماذا تريد لولا؟» (على خلفية صراعات مع إدارة «المركز السينمائي المغربي»)، وأيضاً لو تمكَّن المخرجان نور الدين الخماري وعزيز السالمي من إتمام فيلميهما «كزا نيكَرا» و«حجاب الحب». والعملان معاً سيكونان جاهزين للعرض بعد أيام قليلة.
مع ذلك، وعلى رغم تفاوت القيمة الفنية والتقنية للأفلام الـ25 المتبارية على جوائز المهرجان، فبعضها على الأقل يؤكد أنّ السينما المغربية لم تربح رهان الكم فقط، بل بدأت تفرض نفسها على مستوى الجودة أيضاً. يكفي الإشارة إلى أنّ بعض هذه الأعمال تدخل قاعة «روكسي» للمنافسة بلياقة نفسية عالية بعد حصولها على جوائز من مهرجانات دولية، كما هي الحال مع شريط فوزي بن سعيدي «يا له من عالم رائع» الحاصل على الجائزة الكبرى وجائزة أفضل إخراج من «مهرجان الإسكندرية» في دورته الأخيرة، وفيلم أحمد زياد «الغائب الموعود»، وهو فيلم مغربي بنكهة أميركية (صُوّر في أميركا) وحصل على جائزة أفضل فيلم لعام 2007 من «جمعية فلوريدا السينمائية». ولا بد من الإشارة الى الشريط الجديد للطيف لحلو «سميرة في الضيعة». وهو الفيلم الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو، وبالجائزة الدولية للنقاد في الدورة الـ31 من «مهرجان أفلام العالم» في مونتريال (كندا).
وطبعاً هناك أفلام أخرى تتنافس على جوائز طنجة، سبق لها أن شاركت خلال الشهور الماضية في تظاهرات سينمائية دولية، وإن لم تتوَّج بجوائز. نذكر مثلاً «أبواب الجنة» لسهيل وعماد نوري، و«انهض يا مغرب» لنرجس النجار، و«الدراجة» لحميد فريدي. الأكيد أنّ عروض «طنجة» ستفتح متابعيها من نقاد وصحافيين وجمهور على المزيد من تحولات السينما المغربية وظواهرها الجديدة واختياراتها الفنية المتجددة.