بيسان طي
مع السنوات لم يعد معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت هامشياً، أو محسوباً على فئة لبنانيّة دون أخرى. وهذا العام كان من المفترض أن ينفتح على لغة الضاد بعد طول انقطاع. لكن الدورة الخامسة عشرة أجّلت حسب الرواية الرسميّة.... فيما يتخوّف كثيرون من قرار ضمني بإلغائها

ما هو مصير معرض «إقرأ بالفرنسية وبالموسيقى هذا العام»؟ ولماذا تتضارب المعلومات حوله؟ هل تنقذ اللغة العربية المعرض الفرنكوفوني من تراجع المهتمّين بلغته؟ وهل ستنجح «الخطوات الجديدة» بإدخال الكتب العربية إلى المعرض في زيادة الإقبال عليه؟
الدورة الـ15 من معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت، تأخرت عامين: بعدما أُلغيت العام الماضي، يبدو مصيرها هذا العام رهن «التكهنات». إذ كان يُفترض أن تقام من 26 تشرين الأول (أكتوبر) إلى 4 تشرين الثاني (نوفمبر). الأسبوع الماضي، انتشر خبر «إلغائها» هذا العام أيضاً. لكنّ المسؤولة الإعلامية في المركز الثقافي الفرنسي مارييل سلّوم نفت في اتصال مع «الأخبار» إلغاء المعرض، مضيفةً إن الدورة أُجِّلت لشهر واحد «إلى حين انتهاء قضية الاستحقاق الرئاسي في لبنان».
داخل المؤسسات الثقافية اللبنانية وفي بعض المكتبات، يكثر الحديث عن تضارب في المعلومات التي يستقيها المشاركون في المعرض: بعضهم يقول إنّ الدورة أُجِّلت حتى شباط (فبراير) المقبل، فيما يحكي أصحاب بعض المكتبات عن «كميات كبيرة من الكتب الجديدة» دفعوا ثمنها غالياً، استعداداً لمعرض «القراءة بالفرنسية وبالموسيقى». وحين يسألون عن موعد الدورة لا يسمعون سوى «المغمغة». من هنا هذا الاستنتاج القاطع الذي يصدر عن مدير مكتبة كبرى طلب عدم ذكر اسمه: «صار لدينا يقين بأنها أُلغيت». وإذا صحّت توقعاته المتشائمة، فالخسارات التي تكبدتها المكتبات لا تُعوّض.
على موقع Libanvision الإلكتروني المتخصص في النشاطات الثقافية، نُشر خبر تأجيل الدورة الـ15 «لأشهر عدّة»... فيما أفاد موقع «تجمع من أجل لبنان» بأنّ المعرض «أُجِّل لـ15 يوماً فقط». حكاية تأجيل الدورة إلى شهر شباط تناقلتها المواقع الإلكترونية اللبنانية عن الموقع الرسمي للدبلوماسية الفرنسية، حيث نُشرت مقابلة مع وزير الخارجية برنار كوشنير قال فيها: «نظراً إلى المصاعب المادية، وبالاتفاق مع السلطات اللبنانية والشركاء الآخرين في المعرض، اتخذ القرار بتأجيل الدورة الأخيرة وستُقام من 8 إلى 15 شباط المقبل».
كلام كوشنير في هذا الصدد «واضح ومحدّد»، لكنّه لم ينجح في محو الحيرة التي تشغل بال المعنيين بالمعرض في لبنان. إلّا أنّ الحال مختلفة للمؤسسات المعنية في الدول الفرنكوفونية. مصادر من مؤسسات حكومية ثقافية في إحدى الدول الفرنكوفونية، أكدت لـ«الأخبار» أنها تلقت معلومات بأن المعرض أُلغي. ووجّهت تلك المؤسسات رسالة بهذا المعنى إلى الكتّاب الذين كان يُفترض أن يشاركوا (أو تشارك أعمالهم) في المعرض من خلالها، فغيّر بعضهم جدول أعماله بناءً على تلك الرسالة. وتعرب أوساط ثقافيّة فرنكوفونيّة، عن قلقها من أخبار عن خلاف وقع بين مستشار في وزارة الثقافة اللبنانية ومسؤولين في السفارة الفرنسية، بسبب قرار تأجيل المعرض الذي كان المستشار أحد أبرز نجومه لو أُقيم. كما شكك بعضهم في جدية دور الوزارة في هذا الملف الفرنكوفوني، بعد ترقية مساعدة المستشار نفسه إلى منصب استشاري مختص بالشؤون الفرنكوفونية.
مصير المعرض صار لكثيرين «ميزاناً» يتوقعون عبره إمكان «انفجار الوضع الأمني». وبعيداً عن الكلام السياسي، نجح هذا المعرض في ترسيخ نفسه كأحد أبرز المواعيد الثقافية في العاصمة اللبنانية. فهو يأتي بموازاة «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» وإن لم يكن بحجمه ولا قادراً على منافسته. المعرض الفرنكوفوني معرض فئة مثقفة ونخبويّة لها مكان أساسي في المجتمع اللبناني، رغم تراجع عدد القراء الفرنكوفون في لبنان وتراجع الثقافة الفرنكوفونيّة.
قبل ثلاث سنوات فقط، انتقل المعرض الفرنكوفوني من سن الفيل إلى وسط بيروت، وهذه الخطوة زادت عدد زواره. لكنه ظل محطّ اهتمام فئتين من الجمهور أساساً، الأولى من المهتمين بالمطالعة بلغة أجنبية والباحثين عن الإنتاجات العالمية الجديدة. والثانية من الراغبين دوماً في تأكيد «فرنكوفونيتهم»، ما يجعل المعرض مناسبة لهم للتعبير عن تلك «الهويّة».
أكثر من 60 مؤسسة ودار نشر تشارك في المعرض عادةً، وقد وصل عدد الكتّاب الذين استضافهم خلال دوراته إلى 350. كما حرص منظمو المعرض على نقل التقاليد الثقافية الفرنسية، فصار المقهى الأدبي هو الفسحة التي تسمح بنقاشات ثرية ولقاءات متميزة (صاخبة أحياناً) مع كتاب فرنكوفونيين.
وإذا كان معرض الكتاب الفرنكوفوني لا يطمح الى احتلال موقع الصدارة، فإن المنظمين كانوا دائماً حريصين على تطويره، ما جعل الإقبال عليه يزيد في السنوات الأخيرة. وكان دوماً فرصة للتعرّف إلى الكمية الكبيرة من الإنتاجات الجديدة في اللغة الفرنسية، فيما يتضاءل عدد الإصدارات الجديدة في «معرض الكتاب العربي» على سبيل المقارنة. لكنّ المعرض الفرنسي أيضاً خضع لقوانين السوق ولعنة «الرُهاب» العالمي الجديد... فطغت على الدورات الأخيرة أعمال عن الإسلام والإرهاب واعتدءات 11 أيلول (سبتمبر).
وكان لافتاً في الدورات الأخيرة الوقوع على كتب أو ألبومات بالإنكليزية، لكن اللغة العربية بقيت «محرمة» فيه، أو في أفضل الحالات «غير مستحبّة». ومفاجأة دورة هذا العام هي سقوط «التحريم». أخيراً انفتح المعرض الفرنكوفوني على لغة الضاد... وكان من المقرر أن تُعرض الإصدارات العربية على رفوف بعض الأجنحة في محاولة لجذب قراء جدد. فالأسعار المرتفعة للكتب الفرنسية غالباً، تفوق القدرة الشرائية لكثير من اللبنانيين. ويبدو أن المسؤولين عن معرض «القراءة بالفرنسيّة وبالموسيقى» اقتنعوا أخيراً بأن غياب اللغة العربية عن المعرض يُبعد عنهم فئة أساسية من الجمهور. ومن نقاط القوّة في الدورة التي نتمنّى أن تقام في وقت لاحق من هذا الموسم، حلول «دار أكت سود» ضيفة شرف على بيروت... ولعلها منذ سنوات أهم دور النشر الفرنكوفونيّة التي تعمل على نقل الأدب العربي المعاصر (بإشراف الكاتب والمثقف السوري فاروق مرم بيك)، اضافة إلى جزء مهم من التراث العربي والإسلامي، إلى لغة موليير.
إذا أقيمت الدورة الـ15 للمعرض، فالرهان معقود على الكتب العربية وعلى «أكت سود». لكنّ المنظمين سيواجهون حتماً مشاكل تتمثل في ارتفاع سعر اليورو بالنسبة إلى الدولار، وبالتالي الليرة اللبنانية، إضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وتراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين وتزايد هجرة الشباب. فهل يبحث المنظمون عن حلول لوضع الكتاب الفرنسي في متناول القارئ العادي في لبنان، فلا يخرج صفر اليدين من أهم معرض فرنكوفوني في المنطقة العربيّة؟



معرض الكتاب العربي في موعده

«النادي الثقافي العربي» لن يخذل جمهوره، والدورة الحادية والخمسون من معرض «بيروت العربي الدولي للكتاب» ستقام في موعدها من 13 إلى 27 كانون الأول (ديسمبر) المقبل في قاعة بيال، وسط بيروت... حسب آخر المعلومات.
ومن المتوقع أن تشارك 150 دار نشر ومؤسسة ثقافية لبنانية وعربية ودولية في المعرض، وقد حصلت إدارة النادي على موافقة 90 في المئة من المشاركين، وفق ما أكد مدير المعرض عدنان حمود، وينتظر الآخرون نتائج الاستحقاق الرئاسي لبت خيارهم في المشاركة هذا العام.
المعرض سيمتد على مساحة 10 آلاف متر مربع، وورشة التحضيرات في النادي انطلقت. العمل جارٍ لاختيار البرنامج الثقافي المرافق للمعرض، واختيار الضيوف وعناوين المحاضرات. «لم يتم بت أي اسم أو عنوان حتى الآن، ننتظر موافقات المعنيين» قال حمود لـ«الأخبار»، لكنّ الصورة بدأت تنجلي نوعاً ما، وستُقام حفلات توقيع 200 كتاب خلال المعرض، وستقوم دور النشر قريباً بتسليم النادي أسماء الموقعين.
مؤسسات رسمية من السعودية وسلطنة عُمان والكويت ستشارك في المعرض، إضافة إلى دور لبنانية ومصرية وسورية وأردنية، وستحضر الكتب الأجنبية، فستُقام أجنحة للمركز الثقافي الإيطالي، ومعهد غوته، وقال حمود «ننتظر رداً من السفارة الفرنسية عن إمكان المشاركة في معرضنا لأن معرضها قد أُجّل».