حسين بن حمزة كتاب الباحث العراقي سمير خوراني «المرآة والنافذة: دراسة في شعر سعدي يوسف» (دار الفارابي ــــ بيروت) هو في الأصل رسالة دكتوراه. ما أن يعرف القارئ هذه الحقيقة حتى يحتلّ الكتاب موقعاً محدداً في ذاكرته، ويفرض عليه طريقة معينة في الإقبال على قراءته وتقدير الجهد النقدي والبحثي الذي بذله المؤلف لإنجازه.
الكتب الأكاديمية تجبر عادةً مؤلفيها على التقيّد بمخطّط منهجي صارم. وهذا ما يؤدي في أغلب الأحيان إلى تقييد خيال المؤلفين واستعداداتهم للابتكار.
الكثير من الكتب التي لها أصول أكاديمية تظل داخل أسوار الجامعات. ثمة أسلوبية شبه موحدة تتسيد نبرة هذه الكتب، وتحوّل موضوعاتها إلى دروس في التشريح والبناء والتفكيك في سبيل استخلاص النتائج. التأليف، بهذا المعنى، يتحول إلى عمل مخبري. والمؤلفون يصبحون منقّبين ومحللين.
صحيح أنّ سمير خوراني شاعر أيضاً، لكنّه مضطر للظهور في إهاب الباحث الجامعي الساعي إلى حيازة شهادة الدكتوراه.
لعل شيئاً من مزاجه كشاعر ينتقل هنا وهناك في دراسته لشعر سعدي يوسف، ولعل شعر سعدي نفسه يمنحه هذه الفرصة، لكن الأكثر شيوعاً في ممارسته يظل في حدود البحث الأكاديمي التقليدي.
يقسم خوراني الكتاب إلى فصلين رئيسيين، يتناول في الأول «تشكيل الصورة الشعرية» وفي الثاني «تشكيل المعمار ـــــ التصميم الشعري». الفصل الأول مخصص للبحث في أنماط الصور الشعرية التي يبرع سعدي يوسف في استخدامها، والآليات التي تحكم هذه الممارسة لدى الشاعر.
فيما تتم في الفصل الثاني دراسة أشكال التصاميم والبنى المعمارية لهذا الشعر. بعض القراء، وقد يكونون أغلبية، يرتاحون لهذا النوع من الدراسة التي تفتح حواسهم على مكونات العالم المعجمي والتخييلي لسعدي يوسف. لكن قراء آخرين، أكثر تطلباً، لن تشفي هذه الدراسة غليلهم وتوقهم إلى ممارسة نقدية تُريهم ما لا يتوقعونه، أو تزيد معرفتهم بما يعرفونه عن تجربة الشاعر الطويلة والمتعددة المنعطفات.
لا شك في أنّ الباحث نجح في وضع يده على الكثير من أسرار العملية الشعرية لدى سعدي يوسف وتقنياتها، وحاول أن يُشرك القارئ معه عبر استخدام لغة متخففة إلى حد ما من الثقل الأكاديمي. لكن المخطط البحثي المسبق الصنع الذي لا بدّ من اتباعه يحبس كل هذا الجهد داخل تصور شبه جاهز. كأن هذا النوع من المؤلفات كُتب عليه أن ينال رضا لجان الحكم في الجامعات أولاً. وهؤلاء غالباً ما تكون أفكارهم في وادٍ، وما يجري في الحياة الثقافية في وادٍ آخر.