الجزائر ـــ بشير مفتي

• الموسم الأدبي الجزائري عشيّة «المعرض الدولي للكتاب»

كأن البلد لم يشفَ تماماً من سنواته السوداء. هذا ما تقوله أبرز روايات الموسم في مدينة رشيد بوجدرة والطاهر وطّار. جولة في كواليس «عاصمة الثقافة العربية»، مع محمد ساري، وحميد عبد القادر، وأحميدة العياشي، وإبراهيم سعدي، وسارة حيدر وآخرين

بدأت دور النشر الجزائرية تصدر أعمالها الروائية باللغتين العربية والفرنسية في مناسبة «المعرض الدولي للكتاب» الذي يفتتح يوم 30 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، ويمتد على عشرة أيام. هذه التظاهرة الثقافية الكبرى التي تقيمها الجزائر سنوياً بشكل عام، تشهد إقبالاً منقطع النظير من القراء الذين يتوافدون إلى العاصمة من مختلف أنحاء البلاد. وهي تمثّل فرصةً تُستدعى فيها أيضاً أسماء روائية جزائرية بارزة من الخارج، وتُقدَّم فيها «جائزة أصحاب المكتبات» التي نالتها أسماء روائية مهمة مثل ياسمينة خضرا ومايسة باي. وضمن هذه التظاهرة أيضاً، يعلن عن الفائزين بـ «جائزة محمد ديب» للكتاب الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية والتي تنظّمها مؤسسة ثقافية تحمل اسم الكاتب الراحل. وطبعاً ينتظر الناشرون هذا الموعد الوطني لإطلاق عناوينهم الجديدة التي تمثّل عصب الموسم
الأدبي.
بين الروايات الجديدة اللافتة، نتوقف عند «الغيث» للكاتب محمد ساري (منشورات البرزخ). يحاول هذا العمل الروائي أن يحاور لحظة الأزمة الأمنية من منطلقات جمالية متنوعة. إذ يستثمر في السحري والغرائبي، ويستفيد من تقنيات «ألف ليلة وليلة» وتداخل الأجناس الأدبية. لكن ما سبق لا يلغي وفاء الكاتب للجانب الواقعي والتأريخي، وسيادة التفاصيل على نصّ يؤرخ لمحنة دموية دامت أكثر من عشر سنوات، وحصدت آلاف الضحايا. الرواية إذاً تقدّم جديداً على مستوى التقنيات المستعملة، لكنّها بقيت أسيرة للواقعي وتندرج ضمن مفردات هذا الخطاب.
أمّا «مرايا الخوف» للكاتب حميد عبد القادر (منشورات الشهاب)، فتأتي بعد روايته الأولى «الانزلاق» لتُسائل الراهن الدموي نفسه، بنظرة نقدية موسّعة تدمج الجانب التاريخي بكثافة. يتزاوج فيها عنصر الذات والعالم. وهي بقدر ما تعالج/ تشرّح حالات الذات المعذّبة بالحب والحياة، تجد نفسها في صراع مع ماضي البلد وحاضره الممزّق وآماله المعلّقة. ويمكن أن ينطبق على هذا العمل مصطلح الرواية السياسية التي تتوخى تشريح العطب السياسي بتحليل جذوره وإظهار نتائجه. وهو الخط الذي سار عليه حميد عبد القادر منذ عمله الأول عام 1998.
وتمثّل رواية «أعوذ بالله» للسعيد بوطاجين (منشورات الأمل) استثناءً: إذ إن رهانها جاء جمالياً ومبنياً على منطق اللعب والتجريب الروائي. كما تحاول طرح إشكالية الراهن من خلال قناع رمزي لا يُفهم بسهولة أو لا يُقدَّم بصورة مباشرة. وتتداخل في النص عناصر متعددة تبحر صوب الخيالي وغير المألوف. تقوم الرواية على لعبة الكاتب الضمني، فهو يعيش داخل الرواية، ويحاول عبر سرده أن يحكي لنا مسار روايته وطريقة تشكّلها من الداخل. وبدورها، تؤدّي الشخصيات دوراً رئيساً في الحكي ومساعدة الكاتب على كتابة نصّه هذا. تحكي الرواية قصّة رحلة تقوم بها مجموعة من الشخصيات إلى مكان يطلق عليه اسم «العين» في الصحراء، بحثاً عن مخطوط سري كتبه عالم اسمه أسعد ثم توفي في ظروف غامضة. وهي توجّه نقداً لاذعاً لعدم وجود توازن بين الشمال والصحراء، على رغم أنّ أهالي الجنوب هم الذين يصدّرون الثروات إلى أهل الشمال.
وصدرت هذه الأيام الرواية الثالثة للروائي أحميدة العياشي بعنوان «هوس» (منشورات الشهاب). هذا العمل يأتي ليغلق مسار كتابات العياشي السابقة التي تميزت بالكثير من اللعب والاختراق للميثاق السردي المتعارف عليه، وللنمط الواقعي المستهلك. عمل أحميدة الأخير يندرج ضمن سيرة روائية مقتصدة، مشوّشة، مبنية على الانتهاك والاختراق. ويقوم النص على البحث العسير والقلق عن الماضي البعيد وعالم الطفولة. هذا البحث يندمج في سياق لحظة العنف المتوحشة، وتؤطّره قصة حب مستحيلة بين الراوي وزانة (اسم مشتق من الزنا) عبر رسائل متبادلة. إنّها رواية مفتوحة على أكثر من أفق، وأكثر من سؤال، وتتوافق مع تجربة الروائي في أعماله السابقة.
ونصل إلى «كتاب الأسرار» (منشورات الحكمة)، وهو العمل السادس للروائي إبراهيم سعدي الذي نالت روايته السابقة «بوح الرجل القادم من الظلام» جائزة مالك حداد وصدرت عن «منشورات الاختلاف» في الجزائر و«دار الآداب» في بيروت. في هذا العمل، يواصل سعدي مشروعه الروائي الذي صار مألوفاً لدى القارئ الجزائري، وقوامه التتبّع المتواصل للشخصية الواحدة من البداية إلى النهاية. وفي هذه الرواية بحث في شخصية نذير زاهر الذي يختفي في ظروف غامضة، ويكتشف بعدها أنّه ترك مخطوطاً دوّنه أحد أصدقائه المقربين بعنوان «قصة جريمة». يتوزع السرد بين الراوي، وشهادة صديقه، وما دونه نذير زاهر. ويتقاطع «كتاب الأسرار» مع «بحثاً عن آمال الغبريني» روايته ما قبل الأخيرة، عند الهاجس المستمر بالحفر في سير شخصيات متخيلة، صعقها القدر أو فخاخ التاريخ فتماهت مع رؤيتها المأساوية للذات والعالم...
أعمال كثيرة أخرى ستجد طريقها إلى رفوف المكتبات خلال الشهر المقبل، بينها الرواية الثالثة للروائية الشابة سارة حيدر «شهقة الفرس». وقد نالت بكورتها «زنادقة» جائزة «أبوليوس» لأوّل رواية، التي تنظّمها المكتبة الوطنية الجزائرية. ومن المتوقع صدور «شهقة الفرس» عن «دار الاختلاف» في الجزائر، بالتزامن مع صدورها عن «العربية للعلوم» في بيروت. وهناك أول عمل روائي للشاعر أحمد عبد الكريم بعنوان «عتبات المتاهة»، وكتاب آخر للروائي عبد القادر قربوعة بعنوان «مضغة النار». وبهذا يكون هذا الموسم الأدبي الذي دعمته بنسبة كبيرة وزارة الثقافة الجزائرية في مناسبة «الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007» هو بين الأكثر خصوبة خلال السنوات
الأخيرة.