صباح أيوب
«الأسبوع الفائت عملنا 4 أيام دون توقّف منذ الفجر. ولم يكن هناك طعام كاف. شعرت بالتعب والمرض ولم أستطع أن أبكي. فالبكاء ممنوع. وإذا رأوا دموعنا يضربوننا أو يربطون أفواهنا بقماشة»... هذه عينة من شهادات عدّة، أدلى بها أولاد دون الرابعة عشرة من العمر يعملون في أحد مصانع شركة GAP الأميركية للألبسة، في الهند. حيث أجرت صحيفة «أوبزرفر» Observer البريطانية تحقيقاً ميدانياً أدّى إلى فضح إحدى أشهر ماركات الملبوسات في الدول الغربية.
هي فترة الاستعداد للأعياد، هناك مجموعة من الملابس الجديدة التي يجب أن ينتهي تصنيعها مع نهاية هذا الشهر لتنزل الى الأسواق العالمية في فترة عيد الميلاد. وثمن ذلك يدفعه أولاد يتعرّضون لأسوأ أنواع المعاملة وظروف العمل في إحدى الشركات التي سعت خلال السنوات الماضية إلى «تلميع» صورتها خاصة في ما يتعلّق بعمالة الأطفال، إذ كانت GAP من اولى الشركات التي التزمت باتفاقات شروط العمل وتحمّلت مسؤوليتها تجاه المجتمع بحيث اضطُرّت منذ سنة 2004 إلى إنهاء عقود عملها مع 136 وكيلاً لها في العالم. لكن ما كانت تخشاه الشركة قد حصل، في أحد أسوأ البلدان من حيث عمالة الأطفال، وهو الهند حيث تقرّ الأمم المتحدّة أنّ 20 % من اقتصاد الهند يأتي من تشغيل نحو 55 مليون طفل دون الرابعة عشرة من العمر.
«نعمل هنا منذ أشهر ولم نقبض رواتبنا بعد. فالمدير يقول إننا ما زلنا نتعلّم المهنة لذا فهو لن يدفع لنا الآن. ولا أحد يعلم متى سنحصل على أموالنا». تشهد الهند اليوم، عمليات بيع أطفال بشكل كثيف وذلك مقابل تشغيلهم في أحد المصانع التابعة للشركات الكبرى، التي زادت من مصانعها في دول فقيرة كالهند حيث تكاليف اليد العاملة قليلة جداً ومعدومة في بعض الأحيان. وفي تلك المصانع يعيش هؤلاء في ظروف صحية وحياتية مزرية لقاء المبلغ الذي دفعه صاحب المصنع لأهاليهم، والبعض الآخر من الأولاد يلجأون إلى تلك المصانع لأنهم لا يجدون مكاناً آخر يأوون فيه. لكن منذ أن بدأ الإعلام يسلّط الضوء على تلك الفظائع التي ترتكبها الشركات الكبرى، بدءاً بفضيحة عمالة الأطفال في شركة «نايكي» Nike للملابس والأحذية الرياضية وانتهاء بـGAP، أخذت بعض تلك الشركات تفرض رقابة على مصانعها خوفاً من التأثير السلبي على صورتها وثقة زبائنها فيها، وبالتالي انخفاض مبيعاتها.
لذا فقد أعلنت GAP أنها «ستسحب كلّ المنتجات التي صنعها أولئك الأطفال من الأسواق وستفتح تحقيقاً رسمياً في الموضوع» للحدّ من تلك الظاهرة التي «حاربتها طويلاً». GAP التي تمتلك أكثر من 3 ملايين فرع في العالم، كان قد شارك في حملاتها الإعلانية فنانون وشخصيات مشهورة مثل مادونا وسارا جيسكا باركر، وقد قامت الشركة بعدّة حملات لـ«مكافحة الفقر في أفريقيا والدول النامية» كان آخرها السنة الماضية. ويؤكّد المسؤولون فيها أنها «تلتزم المعايير العالمية لمراقبة التصنيع في معاملها».
التجربة تتكرر وعمالة الأطفال تزداد حول العالم وفي مختلف الميادين، فليس على الشارين سوى أن يطرحوا على أنفسهم سؤالًا منطقياً عن السبب الذي قد يجعل كنزة من إحدى الماركات العالمية المشهورة تباع بأسعار زهيدة؟ من صنعها؟ أين؟ ومقابل أي ثمن؟