دمشق ـــ خليل صويلح
• مدن ونساء وحنيـن فــي ضيافـة السينمـا السوريــة

الجمهور السوري على موعد قريباً مع محمد خان وغسان شميط ونادين لبكي ونجيب بلقاضي... «مهرجان دمشق السينمائي الدولي» في دوّامة التحديات والتساؤلات، يكرّم صباح ودريد لحام، وميرفت أمين، ولبنى عبد العزيز، ومحمود عبد العزيز، ومحمد الأخضر حامينا، وغادة السمّان. وتوجّه التظاهرة الدمشقيّة تحيّة إلى المعلّمين الراحلين برغمان وأنطونيوني

دورة جديدة من «مهرجان دمشق السينمائي الدولي» تنطلق الخميس المقبل، تحت شعار «بعيون السينما نرى» وتستمر حتى العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر). ويواجه المهرجان الدمشقي الشهير في دورته الـ 15 تحدّيات كبيرة، ليس أقلّها شرعية الصفة «الدولية» التي يطلقها على نفسه، من دون استيفاء شروط «الاتحاد الدولي للمنتجين»... ويذكر أن السينما شبه غائبة طوال العام عن الجمهور، بسبب قلّة الأفلام الجديدة، وندرة صالات العرض، وشحّ الإنتاج المحلي.
ومهما يكن من أمر، فإن الجمهور السوري على موعد مع وجبة دسمة من الأفلام العالمية: 230 فيلماً من 46 دولة، بينها 7 دول عربية (سوريا ولبنان ومصر وتونس والعراق والمغرب ومصر). كذلك تضم المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة 22 فيلماً، مقابل 54 شريطاً في مسابقة الأفلام القصيرة.
فيلم الافتتاح «أربعة شهور، ثلاثة أسابيع ويومان» للمخرج الروماني كريستيان مونغيو الحائز السعفة الذهبية في «مهرجان كان» الأخير، يعبّر عن تطلّعات السينما العالمية اليوم، وهي تنظر بغضب إلى الماضي بما يشبه تصفية الحساب. ومعظم عروض المهرجان تتمحور حول اعادة النظر بموروث الأمس، وتفكيك صورته وفحص أطيافها، متأرجحة بين فضح المسكوت عنه... والحنين إلى الزمن السعيد. فيلم مونغيو عن قصة إجهاض محظور في ظل النظام الشيوعي في رومانيا، تلك المأساة التي عانت منها النساء بمئات الآلاف في عهد شاوشيسكو.
ومن زاوية النظر عينها وبعنف أكبر، يسلّط المخرج الألماني فلوريان فون دونر سمارك الضوء في شريطه «حياة الآخرين» (أوسكار أفضل فيلم أجنبي ـــــ 2007) على حقبة سوداء عاشتها ألمانيا الشرقية قبل ٤ سنوات من سقوط جدار برلين. يعالج الفيلم الرقابة السرّية على المواطنين آنذاك، من خلال يوميات ضابط في البوليس السري يكتشف متأخراً أنّ المثالية التي يدّعيها هذا النظام هي مستنقع للفساد.
وتأتي اللبنانية نادين لبكي إلى دمشق بباكورتها الروائية «سكر بنات». الفيلم الذي دار حول العالم، وأثار حماسة جماهيريّة وردود فعل نقديّة متناقضة، يتمحور حول ٥ شخصيات نسائية في بيروت اليوم، انطلاقاً من صالون تجميل يذكّر بفيلم طوني مارشال Venus Beauty Institute (١٩٩٩). وتنجح لبكي المعروفة بكليباتها الفنية، في تصوير أحاسيس النساء، وحياة المدينة من منظور شخصياتها الجذابة.
أما الفيلم السوري «خارج التغطية» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذي يُعرض في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، فيستعيد ـــــ مواربةً ـــــ تجربة سجين سياسي، عاش عشر سنوات وراء القضبان ليجد نفسه بعد خروجه «خارج التغطية»، في مبارزة كلاسيكية مع واقع جديد ومختلف مترع بالأسى والأسئلة الساخنة عن حياة مهدورة. الشريط مقاربة أولى على صعيد السينما السورية إلى موضوع شائك هو السجن السياسي... وإن ظلت المعاني بين السطور.
ويمثّل «الهوية» للمخرج السوري غسان شميط، صورة أخرى للحنين إلى المكان الأول، وهو هنا الجولان أرضاً ووطناً وهوية. بطل الشريط يتقمّص شخصاً آخر، فيستعيد حياته الأولى في الجولان... ويقرر العودة إلى التراب الأول في رحلة تختصر عقدين من الاحتلال. وهناك رحلة أخرى لاستعادة الماضي من موقع مختلف، تقوم بها بطلة فيلم «شقة مصر الجديدة» للمخرج محمد خان (المسابقة الرسمية) بحثاً عن مدرسة كانت قد علمتها دراسة الموسيقى... كأنها في مغامرة البحث هذه، تسعى إلى ماضٍ لن يتكرر على الإطلاق.
ويبقى سؤال: هل يكون الفيلم التونسي «كحلوشة» للمخرج نجيب بلقاضي، مفاجأة الأفلام العربية؟ هذا متوقع من سينما لطالما قدّمت مفاجآت حقيقية. فالشريط الوثائقي يرتكز على قصة حقيقية بطلها سجين سابق يدعى منصف كحلوشة كان يعمل في طلاء المنازل. حبه للسينما وشغفه بها، بدأ من ارتياده قاعات السينما في أحد أحياء الهامش في مدينة سوسة، وبفعل تعرّفه عن كثب إلى ممثلين عالميين صوّروا أفلامهم في المدينة. هكذا يتحّول إلى سارد لقصص يتخيّلها بوسائل بدائية، فيما يقوم أبناء حيّه بأدوار البطولة. ثم يعرض أفلامه في المقاهي. الشريط صورة حية لقاع المدينة ومجتمع المهمشين والبطالة والهجرة السرّية والعنف وانسداد الآفاق.
إضافة إلى مسابقتي الأفلام الطويلة والأفلام القصيرة، يضم المهرجان 18 تظاهرة أخرى، أبرزها «مهرجان المهرجانات» الذي يقدم بانوراما لتحف السينما العالمية الجديدة: «عدني بهذا» للبوسني أمير كوستاريكا، و«المجهولة» أحدث أفلام الإيطالي جوسيبي تورناتوري، و«نشوة السلطة» للفرنسي كلود شابرول. وتحية لمخرجين رحلا هذا العام في أقل من ٢٤ ساعة: السويدي أنغمار بيرغمان، والإيطالي ميكلانجلو أنطونيوني، واستعادة لأفلام الممثلة الألمانية مارلين ديتريش وملك الروك اند رول إلفيس بريسلي.
وتحتفي دمشق ببعض كلاسيكيات السينما المصريّة، في مناسبة مئويتها، مثل «المومياء» (شادي عبد السلام) و«الأرض» (شاهين) و«الحرام» (بركات). كذلك تستعيد السينما الجزائرية من خلال ٧ أفلام أبرزها «رياح الأوراس»، و«وقائع سنوات الجمر» للأخضر حامينا الذي سيكرّمه المهرجان، مع كوكبة من النجوم العرب: صباح (لبنان) ودريد لحام (سورية)، ميرفت أمين ولبنى عبد العزيز ومحمود عبد العزيز (مصر)، إلى جانب الروائية غادة السمان.
وتضم لجنة التحكيم: المخرج الروسي كارين شاخنازاروف (رئيساً)، مجيد مجيدي (إيران)، ليلى علوي (مصر)، هند صبري (تونس)، واحة الراهب (سوريا)، ماييغا باسكالي (فرنسا)، فرانسواز بريون (فنزويلا). ويُختتم المهرجان بالشريط الصيني «زواج تويا» الحائز جائزة «الدب الذهبي» في مهرجان برلين الأخير.
مهرجان دمشق السينمائي الدولي يقف هذه السنة عند مفترق طرق حاسم لجهة خياراته وتوجهاته... خصوصاً أنّه بات سنوياً. ويفترض أن يعود بقوّة في العام المقبل الذي ستكون خلاله دمشق «عاصمة الثقافة العربية».